"سمر الراوي" مسنة ستينية شردتها حياة بعد طردها من قبل ذويها، لتلقى مصيرها المجهول عبر واحدة من عربات قطار طهطا المحطم في حادث التصادم المروع التي شهدته قضبان سكة حديد سوهاج، والذي خلف عنه مئات الإصابات الضحايا لتكون " سمر" واحدة منهم بعد أن دارت عليها الأيام لتصبح بلا مأوى. بعباية صعيدية رثة تنام " سمر الراوى" إحدى مصابات حادث قطارى طهطا، على سريرها الطبي بمستشفى طهطا العام، و هي شاردة في مصير حياتها الذي بات مهدد بالتشرد بين دروب المحروسة، بعد أن طردها ابنها العاق بكل قسوة من منزلها في نجع حمادي وتخلى عنها باقي أولادها لتصبح مشتتة بلا جدران تأويها وتستر سنها الكهل. لم تجد " سمر" ابنة الصعيد من يحنو عليها من فلذات أكبادها، بعد أن ألقاها إبنها الثلاثيني في الشارع منذ حوالي أسبوعين، ليقدم أصحاب الخير على إيوائها بدلا من تركها في الشارع وسط الحيوانات الضالة وهي تئن في أحزانها التي غمرتها أثر عقوق أبنائها وهدار حقها كأم استنفذت عمرها و صحتها لأجلهم. " ضنايا رماني في الشارع انا امه اللي ربته وقالي هدبحك لو جيت البيت" كلمات رددتها الحاجة " سمر الراوي" لموقع "صدى البلد"، وهي تنهمر في البكاء و تتنهد بحرقة على حالها وسط ذهول من من حولها بالمستشفى وهي على فراش المرض إثر إصابتها في الحادث. تروي "سمر" بكلمات تثقل لسانها قصة طردها من منزلها من قبل ابنها العاق دون أي أسباب، ليكسر جبروت الإبن قلب الأم المكلومة التي قررت بعد أسبوعين من طردها من منزلها بنجع حمادي أن تلملم عزالها المتبقية في بيتها الذي عاشت فيه لسنوات وترحل دون عودة بعيد عن جحود الابن، إلا أن الشاب العاق هددها بالذبح في حال توجهها إلى منزلها مرة أخرى. فرت الأم من ببطش أبنها وتهديداته لتسير عشرات الأميال على ساقيها التي لم تعد قادرة على حملها، وتتوجه إلى محطة قطار نجع حمادي للذهاب إلى القاهرة لتستنجد بأهل البيت وام هاشم في قلة حيلة وعجز، لتفطر قصتها قلوب المارة من أهالي الصعيد ويقرروا أن يساعدها ويحجزون لها تذكر قطار للتوجه إلى القاهرة، دون أن تعلم المصير المؤلم الذي ينتظرها. ركبت " سمر" في إحدى عربات القطار لمدة تقارب الربع ساعة لينقلب القطار بعد دقائق من ركوبها في حادث تصادم افجع كافة أركان الجمهورية لتصف " سمرة " الواقع بلهجتها الصعيدية ل"صدى البلد" قائلة:" انا أولاد الحلال ركبوني الجطر قطعولي التذكرة عشان اسافر اتبارك بأهل البيت عشان ينجدوني لاني مليش متوى ولا بيت بعد ما والدي طردني وفي وقت قصير لقيت عربية الجطر انقلبت بيه و بالركاب ومعتش إلا وأنا غرقنا في التراب ومحشورة في الكرسي ويستنجد بالناس، لقيت واحد ابن حلال بيقولي ياما ياما هاتي إيدك ياما عشان اخرجك، فرحت من الكلمة وحزنت في نفس الوقت لما لقيت الغريب احن عليه من ولادي وخايف على روحي أكتر منهم". تصمت " سمر" لثواني وتغرق الدموع عينيها التي شهدت عقوق أبنائها وقسوتهم عليها وهي في هذا السن لتجد السند من الغرباء أكثر من من انجبتهم رحمها، لتروي اعيونها مرارة حزنها على حالها وكسرت نفسها التي حملتها لتكون إحدى مصابي حادث قطارى طهطا. تعاني الأم المكلومة " سمر" من كسور في الصدر والفخذ وكدمات متفرقة في أنحاء جسدها جراء انقلاب عربة القطار التي كانت تقبع بها في وحدة وحسرة تكسو روحها وقلبها، لتصبح حيث الجميع و يسلطع الضوء على قصتها المأساوية ويمد أصحاب الخير أيديهم لمساعدتها بكل المستطاع. كل ما تحلم به " سمر" مكان يأويها ومعاش يتحمل مصروفات علاجها وطعامها معبرة عن ذلك قائلة " نفسي في شقة صغيرة بدل ما انا في الشارع وعاوزة معاش ولو صغير أقضي به حالي لحد ما ربنا يفتكرني، مش عاوزة اكتر من كده وربنا جبر بخاطري لما الكل شاف حالتي وربنا سبب الأسباب عشان اكون من مصابي الحادث ويكون ليه نصيب أن الناس تشوفني وتحس بيه بدل ما انا لوحدي". تأمل " سمر " أن يصرف لها تعويض الذي أعلن عنه المسؤولين ليساعدها في إيجاد فرصة للعيش بشكل آدمي بدل من النوم في الشوارع وعلى جنبات الطريق كالمشردين بلا مأوى راجية الله أن يسترها حتى يقبض روحها وهي على سريرها وليس هي بالشارع.
مشاركة :