تعد الجسور من أقدم المنجزات الحضارية التي عرفتها البشرية، وهي أعمال هندسية بنيت قديما بمفاهيم بدائية إذا قورنت بما نعرفه اليوم، وإن كانت الجسور لم تتغير كثيرا من حيث الوظيفة أو الشكل الهندسي، فقد كانت أقل كفاءة، حيث استخدمت كميات من الحجارة في الجسور الرومانية أكثر من اللازم، ونتيجة لذلك كانت تتطلب الجسور عددا أكبر من العاملين ووقتا أطول، جسور اليوم تستخدم مواد أقل وتبنى في وقت أقصر، وعند مقارنة بناء البرمجيات اليوم ببناء الجسور، فإن برمجيات اليوم تبنى بكفاءة الجسور الرومانية، مواد أكثر ووقت أطول. في مقالة لألفريد سبيكتر عن الفرق بين بناء الجسور وبناء البرمجيات، يذكر أن الجسور تبنى على الوقت وفي حدود الميزانية المقدرة ولا تسقط. في المقابل، يتجاوز بناء البرمجيات الوقت والميزانية، كما أنها كثيرة السقوط، ومع أن مقال ألفيرد كتب منذ ثلاثين سنة، إلا أن كلامه مازال منطبقا على حال البرمجيات اليوم، وإن كان الكلام عن سجل الجسور ناصع البياض فيه ما فيه من المبالغة، ويكفي ما رصده هنري بيتروكسي عن أخطاء التصميم، فإن المقارنة تظل في محلها، والفرق بين بناء الجسور والبرمجيات مرتبط بالفرق بين تحديات المجالين، ففي بناء الجسور، نجد أن التصاميم مفصلة تفصيلا دقيقا، ولا يسع المقاول أن يخرج عن التصميم إلا في حدود ضيقة، في بناء البرمجيات، لا نجد تفصيلا مماثلا، كما أن مخالفة التصميم من سبل التكيف مع متغيرات بيئة الأعمال التي تفرض على المنفذ، وإذا اعتبرنا فارق الخبرة بين المجالين، 3 آلاف سنة مقابل 60 سنة، فإن تراكم الخبرة غير موجود في البرمجيات، فسقوط جسر يقيم الدنيا ولا يقعدها، فيدرس الخطأ ويحاسب المتسبب، أما في البرمجيات فيمر الخطأ من دون محاسبة، فلا يتعلم المبرمجون من أخطائهم. لكن لماذا نلتفت لأخطاء البرمجيات؟ سابقا، كانت تؤدي البرمجيات أعمالا محدودة التأثير، أما اليوم فقد تغير الأمر، تتحكم البرمجيات اليوم في الطائرات والمعدات الطبية والعسكرية، ومازال الاعتماد عليها في زيادة، ولفهم حجم المشكلة علينا أن ننظر إلى سجل مشروعات البرمجيات. فمثلا، تنفق الولايات المتحدة ربع تريليون دولار سنويا على 175 ألف مشروع برمجي، ثلثها يتوقف عن التنفيذ من دون مخرجات، كما أن نصفها، سواء نفذت أو لم تنفذ، ينفق عليها ضعف الميزانية التقديرية، ولنفهم حجم الفشل، علينا أن ننظر إلى التكاليف غير المقدرة نتيجة لعدم تنفيذ هذه المشروعات، فنتيجة عجز مطار دينفر في أميركا من إنتاج برنامج لإدارة الأمتعة، فقد تكبدت المدينة خسائر تجاوزت المليون دولار يوميا. إذا استمرت البرمجيات بالمنهجية نفسها فلن تلحق بكفاءة الجسور حتى بعد ثلاثة آلاف سنة، وإن كانت التحديات التي تواجه صناعة البرمجيات مختلفة، ففهمنا لهذه الصناعة مازال في خطواته الأولى، وكما يقال: فهم المشكلة أساس الحل.
مشاركة :