بيروت - يتجه لبنان الذي يشهد أزمة سياسية غير مسبوقة نحو فوضى شاملة، في ظل استقطاب سياسي حاد وأزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ نهاية الحرب الأهلية. ولا تزال الطبقة السياسية في لبنان بكامل مكوناتها اليوم تتصارع في ما بينها، وفشلت في القيام بإصلاحات ضرورية يضعها المجتمع الدولي شرطا لحصول البلاد على دعم مالي يساعدها على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي. وازداد الوضع تأزما في لبنان بعدما أخفق رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري والرئيس ميشال عون في الاتفاق على حكومة، مما بدد آمال إنهاء خلاف سياسي مستمر منذ أشهر على تشكيلة الحكومة المنتظرة، وعكس عمق الهوة الكبيرة بين الطرفين. وأعلن الحريري أن حزب عون الذي يقوده جبران باسيل صهر الرئيس يريد إملاء من يشغل مقاعد مجلس الوزراء وأن يكون له حق النقض (الفيتو) على القرارات. وقال مصدر مقرب من الدوائر الحكومية "اعتبارا من اليوم عليك تلبية شروط جبران باسيل فهو يمسك بقلم الرئيس". ورغم أن حزب الله يقر بالحاجة لتشكيل حكومة فهو ليس على استعداد للضغط على عون والمجازفة بتحالفه مع حزبه المسيحي الكبير. ويرى مراقبون أن أكثر السيناريوهات تفاؤلا هو أن تتشكل حكومة قادرة على استعادة الثقة على الصعيدين المحلي والدولي وتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها المقرضون الدوليون مثل إصلاح قطاع الكهرباء الذي يعاني من الهدر والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي وإعادة هيكلة القطاع العام المتضخم. أما في السيناريو المتشائم فسيحدث انهيار آخر في الليرة اللبنانية والنمو الاقتصادي المتهاوي الذي قدّره صندوق النقد الدولي بسالب 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي وقدّره البنك الدولي بسالب 19 في المئة من الناتج. وبدأت احتياطيات النقد الأجنبي الباقية، التي تقدر بنحو 16 مليار دولار، تنضب إذ ينفق لبنان حوالي 500 مليون دولار شهريا على دعم الوقود والقمح والدواء وتنفق الدولة ما بين 75 و100 مليون دولار شهريا وما لا يقل عن 100 مليون دولار شهريا عندما يتدخل المصرف المركزي في سوق العملة. ويميل بعض المسؤولين والدبلوماسيين والساسة للتشاؤم في ظل صعوبة تقدير مدى التدهور الذي يمكن أن يصل إليه الوضع. ويرى دان القزي الرئيس التنفيذي السابق لبنك ستاندرد تشارترد في لبنان أنه من المحتمل أن يتطور الوضع إلى انهيار آخر للعملة وتوقف كل الوظائف الأساسية للحكومة وانتشار الفوضى. وأضاف "إذا استمر بنا الحال على هذا المنوال ... فستضيع السيطرة بالكامل على المجتمع. وهذا يعني أن تسير في طريق ويمكن لشخص ما معه سلاح أن يوقفك ويقتلك ويأخذ سيارتك وأموالك وزوجتك". من جهته قال نبيل بومنصف نائب رئيس تحرير صحيفة النهار اليومية "لا أرى أي حلول. أرى أزمة مفتوحة" على كل الاحتمالات. ورغم أن الحريري يحمل مطالب عون مسؤولية تعطيل التشكيل الحكومي فقد أصر الرئيس حتى الآن على موقفه. وتنقل المصادر التي تقابل عون عنه قوله إنه ليس مسؤولا عن الأزمة المالية إذ أن السلطة في أغلب فترات العقود الثلاثة الأخيرة كانت في أيدي الحريري ووالده وبري. ويعتقد الرئيس أن عليهم هم أن يقدموا تنازلات. وتقول المصادر إن موقف عون ازداد تصلبا منذ فرضت واشنطن عقوبات على صهره باسيل الذي يؤهله عون لكي ينافس على منصب الرئيس. وتحول حجم الخسائر المالية والتدقيق المزمع في حسابات الدولة إلى نقطة خلاف في لبنان العام الماضي الأمر الذي أدى إلى توقف المحادثات مع صندوق النقد إذ نسف كبار المصرفيين والنواب خطة الإنعاش التي طرحتها الحكومة المستقيلة. وأوضح المانحون الغربيون أنهم لن يتدخلوا لإقالة لبنان من عثرته دون إصلاحات لمعالجة الفساد المتجذر والديون الهائلة وإحياء المحادثات مع صندوق النقد. وفقدت العملة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها ودفع التضخم أكثر من نصف سكان البلاد دون حد الفقر وتخلف لبنان عن سداد ديونه وأخذت البنوك من الإجراءات ما كاد يحول بين زبائنها وودائعهم الدولارية. كما أغلقت دول الخليج التي كانت تحول الأموال إلى لبنان قنواتها إذ تخشى اتساع نطاق الدور الذي يلعبه حزب الله. ورغم الانهيار يقول الدبلوماسيون ومصادر مقربة من دوائر السلطة إن الأطراف التي تشكل النخبة الحاكمة تبدو منشغلة بتأمين المقاعد في الانتخابات البرلمانية العام المقبل أكثر من انشغالها بتنفيذ الإصلاحات. وقال مصدر مقرب من المصادر الحكومية "بالنسبة لهم هي لعبة سياسية فهي تدور حول من سيفوز، أما الانهيار الكامل والثمن الاقتصادي والاجتماعي فليس له الأولوية بالنسبة لهم. هي معركة من أجل البقاء في نظرهم وهم يعتقدون أن بإمكانهم بحث الثمن فيما بعد". وأضاف مصدر سياسي آخر "يحسبون أن بإمكانهم البقاء أطول قليلا لكن لا أحد يعلم أين نقطة الانهيار".
مشاركة :