تمثّل ثقة مجلس النواب بالحكومة المزمع تشكيلها، عُقدة إضافية تواجه مباحثات التأليف، وتحديداً إذا حجبت القوى السياسية المسيحية الأكثر تمثيلاً في البرلمان («التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية») الثقة عن الحكومة، رغم أن «تيار المستقبل» يقلّل من فرضية أن يكون هذا الأمر عُقدة بالنظر إلى أن «الميثاقية» تتمثل في تشكيل الحكومة مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، فيما حاز تكليف الحريري على أصوات ثلث النواب المسيحيين تقريباً، ما يعني أنه يتمتع بالميثاقية.وتطرقت مباحثات تشكيل الحكومة بين القوى السياسية اللبنانية خلال الأسابيع الماضية، قبل أن يتأزم الوضع مرة أخرى مطلع الأسبوع الجاري، إلى القوى السياسية التي يمكن أن تعطي ثقة للحكومة، وسط عدم يقين تجاه موقف حزب «القوات اللبنانية» الذي لم يسمِّ الحريري لتشكيل الحكومة، وتأزم الوضع السياسي مع «التيار الوطني الحر» الذي يمتلك أكثرية نيابية مسيحية في البرلمان، فيما يغيب 9 نواب مسيحيين عن المجلس، إثر استقالة 7 منهم ووفاة اثنين، ما يطرح أسئلة عما إذا كانت الثقة البرلمانية بالحكومة بعد تشكيلها ستفتقر إلى الميثاقية (التي تراعي المناصفة بين المسلمين والمسيحيين) إذا ما حجبت أغلبية نيابية مسيحية الثقة عنها.وهذا الأمر لوّح به «التيار الوطني الحر» أول من أمس (السبت)، سائلاً في بيان: «هل يفهمون مغزى أن تُشكّل حكومة في لبنان تغيب عنها الكتل النيابية المسيحية بالمشاركة والثقة، وهل تدرك المرجعيات المعنيّة معنى العودة إلى زمن الوصاية السياسية؟»، مشيراً إلى أن «التيار لن يشارك في الحكومة ولن يعطيها الثقة على الأسس التي يطرحها الرئيس المكلّف».لكن «تيار المستقبل» يقلل من أهمية هذا النقاش الذي يُخاض مبكراً الآن، وينفي أن يكون ذلك عقدة إضافية تُخاض الآن ضمن مباحثات التشكيل. وتقول مصادر قريبة من الرئيس المكلف سعد الحريري لـ«الشرق الأوسط» إن الميثاقية يجب أن تتوفر في تشكيل الحكومة مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، أي من 9 وزراء مسلمين و9 مسيحيين بمعزل عن الأحزاب، لافتةً إلى أن المجلس النيابي سيد نفسه سواء بمنح الثقة أو حجبها عن الحكومة.وأشارت المصادر إلى أن هذا الافتراض من المبكر الحديث عنه، ذلك أن النواب قد يعطون الثقة للحكومة بناءً على برنامجها، أو يحجبونها عنها بناءً على البيان الوزاري، وعليه مجرد افتراض الميثاقية الآن هو مفتعَل وسابق لأوانه.ورغم أن «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لم يسمّيا الحريري بتكليفه الجديد، فإن ثلث النواب المسيحيين الذين كانوا لا يزالون في المجلس النيابي تقريباً (بعد استقالة 7 منهم) سمّوه لرئاسة الحكومة، ما أضفى طابعاً ميثاقياً على تكليفه «لا نقاش فيه»، حسبما تقول المصادر.وعادةً ما تكون نقاشات تشكيل الحكومة هي الأكثر تعقيداً، بالنظر إلى أن القوى التي تتمثل فيها تمنح الحكومة الثقة في البرلمان، فضلاً عن أن قوى لا تتمثل بالحكومة يمكن أن تعطيها الثقة بناءً على البيان الوزاري وخطة الحكومة. وفي الغالب، تكون نقاشات التشكيل سلة واحدة مع نقاشات الثقة. غير أن موقف القوى المسيحية الأكثر تمثيلاً، في إشارة إلى «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، لا يزال معلقاً، ولم يُحسم حتى الآن. وتقول مصادر حزب «القوات اللبنانية» إنه من المبكر حسم الموقف تجاه منح الثقة من عدمه، لافتة إلى أن هذا القرار «ملء إرادة تكتل الجمهورية القوية».وأوضحت المصادر أن الكتلة النيابية المؤلفة من 15 نائباً لم تكلف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ولم تعطِ حكومته الثقة، كما أنها لم تكلّف الحريري، منطلقةً من مقاربة أساسية لديها بأنها «ليست موجّهة ضد الرئيس المكلف بل ضد الأكثرية الحاكمة لأننا نرى أنها ستعرقل مهمة رئيس الحكومة. أما عندما تتشكل الحكومة فسيجتمع تكتل الجمهورية القوية برئاسة رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع لاتخاذ القرار بحجب الثقة أو منحها»، موضحةً أن الأمور «تُقاس بظروفها وشروطها وتوقيتها واللحظة السياسية المرتبطة بها». وبالتالي، فإن الحزب ينتظر تشكيل الحكومة، وبعدها يحدد موقفه من هذا الأمر. وكـ«القوات» لم يحسم «التيار الوطني الحر» قراره بعد، فقد كرر أنه غير معنيّ بالمشاركة في الحكومة ويرغب في دعمها ولكنّه «يحتفظ بطبيعة الحال لنفسه بالحق في منح الثقة أو حجبها حسب تشكيلة الحكومة ومدى احترامها للتوازن والميثاق من جهة وحسب برنامجها الإصلاحي ومقدار التقيّد به، وذلك حسب المبادرة التي تقدّم بها رئيس التيار في 21 فبراير (شباط) الماضي».وفيما لم يحسم «التيار» و«القوات» موقفيهما، يُتوقع أن تعطي القوى والشخصيات المسيحية التي سمّت الحريري، الثقة لحكومته، ما يضفي عليها طابعاً ميثاقياً، ويتصدرها نواب «تيار المردة» والنواب المسيحيون المنضوون ضمن كتلة «المستقبل» و«كتلة الوسط المستقل» وكتلة «التنمية والتحرير»، إضافة إلى شخصيات مستقلة مثل نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي وغيرهم.
مشاركة :