قال مسؤولون عسكريون وخبراء ليبيون إن فلول الجماعات المتطرفة، وفي مقدمتها «تنظيم داعش» المتطرف، استغلت الانفلات الأمني، الذي عانت منه ليبيا خلال السنوات الماضية، لمحاولة العودة إلى البلاد مرة ثانية، مشيرين إلى أن توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية سريعاً «سيضع حداً لتغول هذه التنظيمات الإرهابية» في البلاد.وأقر العميد الفيتوري غريبيل، عضو اللجنة العسكرية المشتركة الليبية «5+5»، بأن الجهود المبذولة مؤخرا للقضاء على الجماعات الإرهابية «كانت دون المستوى المطلوب»، وأرجع ذلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «ما شهدته البلاد من انقسامات خلال العشر سنوات الماضية، وبالتالي غياب العمل العسكري الموحد، والقادر على سد أي ثغرات أمام هذه الجماعات المتطرفة». ورأى غريبيل أن «الوضع يسير الآن بشكل أفضل مما كان، بفضل ما توليه اللجنة العسكرية من اهتمام بمكافحة الإرهاب، لا سيما في ظل التعاون المستمر، وتبادل المعلومات بين أعضاء اللجنة».وأكد تقرير أممي رفع مؤخراً إلى مجلس الأمن الدولي أن التنظيمات الإرهابية لا تزال تحتفظ بخلايا نائمة بمناطق متعددة، مثل تراغن وأوباري وغدوة جنوب ليبيا. وفي هذا السياق أكد غريبيل أن هناك تعاوناً أمنياً واستخباراتياً بين ليبيا ودول المنطقة، وتوقع أن يزيد خصوصاً مع تولي حكومة (الوحدة الوطنية) المسؤولية. معتبرا أن الحدود الجنوبية لا تزال تعتبر أهم معابر «تنظيم داعش» للداخل الليبي، وذلك بسبب طول مساحتها وخروجها عن السيطرة التامة، فضلا عن هشاشة الوضع الأمني التي تشجع بعض التنظيمات العابرة للحدود على ممارسة نشاطها.وذهب غريبيل إلى أن مصادر تمويل عناصر «داعش» في ليبيا «تنحصر فيما تتلقاه من أموال خارجية، وعائدات ممارستهم الإجرامية من الاتجار بالبشر والمخدرات وتهريب للنفط، فضلاً عن الإتاوات وعمليات النهب بالقوة». مشيراً إلى أن جزءا من هذه الأموال «يستخدمه التنظيم في تجنيد مزيد من العناصر، سواء من الأجانب أو من شباب البلاد، وتحديداً من معتنقي الآراء والأفكار المغلوطة».من جهته، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي لـ«الجيش الوطني»، اللواء خالد المحجوب، إن الحكومة الجديدة «تعي جيداً خطورة هذه التنظيمات، لكن من المبكر أن نطالبها بشيء»، لافتاً إلى «دور الجيش في محاربة الإرهاب، واستمراره في ذلك».وكان «الجيش الوطني» قد أعلن في منتصف مارس (آذار) الجاري تنفيذ عملية نوعية في مدينة أوباري (جنوباً)، أسفرت عن اعتقال أحد أبرز قادة «داعش»، وهو المدعو محمد ميلود محمد (أبوعمر). ووفقاً لبيان الجيش فإن هذا الأخير يرتبط بعلاقة مع أبو الوليد الصحراوي، آمر «تنظيم داعش» في مالي والنيجر، كما كان يرتبط بعلاقة مع أمير التنظيم في ليبيا (أبو معاذ) العراقي، الذي تمكن «الجيش الوطني» من تصفيته مع قادة آخرين بالتنظيم، عبر عملية عسكرية مماثلة نفذت في مدينة سبها في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.في السياق، حذر خبير الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، من أن ليبيا «لا تزال تواجه عقبة عدم امتلاكها مؤسسات أمنية موحدة، قادرة على القيام بمهامها، وتنفيذ استراتيجيات وخطط دفاعية موحدة لمواجهة الإرهاب».وأضاف الروداني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «رغم الجهود التي تبذلها اللجنة العسكرية، فإنه من المرجح أن تحتاج ليبيا لما يقارب عشر سنوات لتتمكن من تأسيس جيش حديث وعصري موحد، وتتزايد صعوبة المهمة بسبب وجود ما يقرب من 1600 ميليشيا مسلحة تقتات على الفوضى والتهريب».ودعا الباحث إلى عدم الانجرار وراء ما يُظهره التنظيم من تجميد لنشاطاته بعموم ليبيا، كمؤشر على تضاؤل تهديده، موضحا أن «قدرته على استغلال صعوبة تضاريس الجنوب الليبي، وتعاونه مع بعض الجهات، من بين العوامل التي تزيد من قدراته على الاختباء، وتطوير وتوسيع الشبكات، والتغلل بقوة بمجتمعات القارة السمراء، وبالتالي جذب مزيد من الأتباع». ولم يبتعد المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش عن الطرح السابق، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «رغم توجيه الجيش الوطني ضربات قاصمة للتنظيم، فالوضع ليس سهلاً ولن يكون، في ظل عدم خروج المرتزقة من البلاد إلى الآن»، ورأى أن هذه المجموعات الوافدة من فصائل المعارضة السورية، التي جلبتها تركيا كما يعرف الجميع، هي في أغلبها تابعة لتنظيمات إرهابية متطرفة في وطنها الأصلي، فضلا عن وجود ميليشيات ليبية تتعاطف مع «داعش»، ولا تتعاطى معه كتنظيم إرهابي.
مشاركة :