كانت وما زالت الأمثال من أبرز عناصر الثقافة المجتمعية لدى الشعوب، وتعتبر المرآة التي تعكس ثقافة ووعي وخبرة وتجارب المجتمعات، حيث تنطلق من معتقدات الناس وتشمل معظم جوانب حياتهم، وتعكس المواقف المختلفة التي مروا بها ومن ثم تتناقلها الأجيال، وتقدم لهم نماذج نمطية قد يُقتدى بها، فهي تشكل اتجاهات وقيم المجتمع، وتؤثر بشكل كبير في قرارات أفراده ومسيرة حياتهم. منها ما هو متجذر في أرض معينة تبعا لثقافتها وأصالتها، ومنها ما هو مقتبس من ثقافات شعوب أخرى وأمثالهم التي جرت عليها تعديلات حتى توافق اللغة والثقافة المحلية. ومن الطبيعي أن تساهم بعض هذه الأمثال بشكل غير مباشر في تشكيل نظرة وسلوكيات وطباع سلبية لدى المجتمع، فمنها ما يكرس ثقافات دخيلة أو قناعات نابعة عن جهل أو سوء تجربة، ومن الخطأ تعميمها. ومن هذه الأمثال قولنا «المكتوب من عنوانه» حيث يضرب في الاكتفاء بالعنوان دون تكبد عناء قراءة المضمون أي الاكتفاء بالظاهر والحكم عليه، وهذا الخطأ يؤكده وجود مَثَل أمريكي مخالف تماما لهذا المثل في مضمونه وهو «Ever judge the book by its cover» بمعنى «لا تحكم على الكتاب من غلافه» والأول يعكس نظرة سطحية جدا وخاطئة، أما الثاني فهو تصحيح فعلي للسابق. وكذلك من الأمثال السلبية «مد رجلك على قد لحافك» وهو يُضرب فيمن تحول قدراته دون الوصول إلى مراده، ولكنه يحارب التغيير ويرسخ مبدأ التكاسل والرضوخ للأمر الواقع دون السعي والبذل للأفضل. وكذلك مَثَل «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» يُضرب فيمن يُقْدِم على اختيار معين ويتخذ قرارا ما، ولكنه قد يلغي الدور العلمي للاستشارة ويفضل عليها رأي صاحب التجربة، ويقع الخطأ هنا في أن التجارب تختلف من شخص إلى آخر، ما قد يوقع الإنسان في فخ الاختيار الخاطئ ولكن العلم والدراية ستعطيه النظرة المثلى لما يبحث عنه من وجهة نظر متخصصة. وكذلك من الأمثال الموغلة في الأنانية مَثَل «جلد ما هو بجلدك على الشوك جره» الذي يعكس نظرة أنانية وحاقدة تجاه الآخر أيا كان. كذلك مَثَل «جزاء المعروف سبعة كفوف» و«خيرا تعمل شرا تلقى» التي ترسخ لدى الإنسان ضرورة انتظار الجزاء بعد أي معروف يقدمه، وأن تقديم المعروف وبذل الحسنى سيقابل بالسوء، وهذا فيه تجاهل للجزاء الأخروي المتمثل في الأجر نظير كل إحسان. ومَثَل «إذا لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي» ويعطي هذا المَثَل انطباعا في ظاهره بدبلوماسية التعامل ومسايسة الآخر، إن نظرنا إليه من منظور إيجابي، ولكنه في الحقيقة يدعو إلى السلبية في التعامل ويرسخ العبودية لمن في أيديهم لنا حاجة أو مصلحة ما، ويجعلنا نخضع لهم وهو قريب للمَثَل الأجنبي «لا تشتم التمساح حتى تعبر النهر» ولكن الأخير يرسخ الجانب الإيجابي المتمثل في ذكاء التعامل والدبلوماسية بشكل أوضح من سابقه. ومَثَل «إن طاعك الزمان ولا أطعه» ويُضرب فيمن عاكسته الحياة وعجز عن إصلاح أمر ما، وفيه دعوة إلى الاستسلام وعدم المحاولة. كما توجد بعض الأمثال التي تختلف في صياغة عباراتها ولكنها تؤدي إلى معانٍ متقاربة، مثل المَثَل «ادهن السير ويسير» ومَثَل «امسك لي واقطع لك» ومَثَل «أطعم الفم تستحي العين» وتضرب في تبادل المصالح وضرورة تقديم شيء لنيل مرادك ككلام متملق أو مقابل مادي، ولكنها ترسخ مبدأ عدم تقديم المعروف إلا إذا وجدت مقابله مصلحة، فهي أشبه ما تكون بالدعوة إلى الرشوة أيا كان نوعها. ووجدت بعض الأمثال التي شكلت لدى المجتمعات نظرة قاصرة تجاه المرأة مثل «كلام حريم» للحديث الذي لا قيمة له و«همّ البنات للممات» للدلالة على عبء إنجاب وتربية الأنثى، ومَثَل «الفرس من خيالها والمرأة من رجالها» ومَثَل «ظل راجل ولا ظل حيطة» ومع أنه لا يعنى بمجتمعنا المحلي ولا الخليجي لكنه ذو أصل عربي ونستخدمه كثيرا في مجتمعاتنا، وهو في الواقع يلغي الدور الحياتي للمرأة ويعطيها انطباعا بأنها غير قادرة على العيش بلا رجل، ما يوقع بعض النساء في الاختيار الخاطئ حتى لا تعيش في ظل الحائط كبديل عن أي رجل. وفي ظاهر هذه الأمثال أنها واقعية ونابعة عن تجارب حياتية فعلية وقد نستحضرها في مواقفنا باستمرار، ولكن مع الأسف أن بعضها يرسخ لدينا قيما سلبية تقودنا إلى قرارات وردود أفعال خاطئة. وينبغي ألا نعمم هذه الأمثال كقواعد حياتية، فهي مجرد مقولات نبعت عن بعض التجارب، وهي قابلة للصواب والخطأ.
مشاركة :