بعد مرور أكثر من 9 سنوات على الوفاة الغامضة لرجل الأعمال والسياسة الغامض أشرف مروان أعادت صحيفة الجارديان البريطانية فتح ملف الوفاة تحت عنوان من قتل أعظم جواسيس القرن العشرين؟. بدأت الصحيفة البريطانية تقريرها الموسع الذي جاء في نحو 6500 كلمة ونقلته صحيفة الشروق المصرية بالقول إن الأمر الأكيد هو أن أشرف مروان الذي يصفه البعض بأنه أعظم جواسيس القرن العشرين، كان حيا عندما سقط من شرفة الدور الخامس بشقته في لندن التي تقدر قيمتها بـ 4,4 مليون استرليني. فقد سقط رجل الأعمال المصري بعد الواحدة والنصف بقليل يوم 27 يونيو 2007 فى حديقة ورود خاصة وصرخت امرأة، واستدعى أحدهم الشرطة. ووصل الإسعاف متأخرا جدا. وتوفى مروان نتيجة لتمزق الشريان الأورطى. وعن ليلة أشرف مروان الأخيرة في لندن تقول الصحيفة إن أربعة من العاملين في إحدى شركات أشرف مروان كانوا مجتمعين في الطابق الثالث من المبنى المجاور للمبنى الذي يعيش فيه أشرف حيث كانوا موجودين في غرفة تطل مباشرة على شرفة شقة مروان بما يتيح رؤية واضحة لما يجرى في هذه الشرفة. وكان هؤلاء الرجال الأربعة ينتظرون انضمامه إليهم لبحث بعض الأمور، وعندما تأخر اتصلوا به في الثانية عشرة لمعرفة سبب التأخر فأكد لهم أنه سيأتي بعد قليل. ريباسي، أحد الرجال الأربعة، الذي كان جالسا والنافذة على يساره، تذكر أن أحد زملائه أثار فزعه وهو يصيح انظروا ماذا يفعل الدكتور مروان! وزعم اثنان آخران من الشهود أنهم شاهدوا في ذلك الوقت مروان يقفز من الشرفة. وبينما قام ريباسي ليرى ما حدث من النافذة، بقى الرجال الثلاثة الآخرون جالسين في الغرفة مصدومين ومستغربين. وأضاف ريباسي أنه شاهد بعد ذلك رجلين ذوى ملامح شرق أوسطية ينظرون من شرفة إحدى الشقق، لكنه لم يكونوا متأكدا مما إذا كانا واقفين فى شرفة الشقة رقم 10 أى شقة مروان نفسها أم لا. ومنذ ذلك الوقت ظل السؤال الذي يبحث عن إجابة قائما: هل قفز مروان أم دُفع به؟ فهناك أسباب عديدة ترجح استبعاد فكرة الانتحار. فالرجل كان يعتزم السفر إلى الولايات المتحدة مساء ذلك اليوم لحضور اجتماع مع محاميه. كما كان قد انضم للتو إلى نادي الإصلاح الذي يضم بين أعضائه الأمير تشارلز ورئيسة إم آى فايف السابقة ستيلات ريمنجتون. كما أنه كان قد اشترى قبل أيام لحفيده لعبة بلاي ستيشن 3 هدية لعيد ميلاده. كما كان من المقرر أن يأخذ مروان وزوجته منى عبدالناصر أحفادهما الخمسة لقضاء العطلة. إذن لم يكن هناك دليل على اعتزامه الانتحار. لكن من المفارقة أنه أيضا لم تكن هناك أدلة قوية على الإطلاق تدعم ادعاءات قتل مروان. في المقابل فإن هناك أدلة واضحة على أنه كان يخشى على حياته في أيامه الأخيرة. ففي آخر مرة كان مع زوجته في شقته قال لها ربما أُقتَل. كما قال: لدى الكثير من الأعداء المختلفين. وقالت زوجته إنه في الشهور السابقة لوفاته كان يراجع الباب والأقفال كل ليلة قبل أن ينام، وهى عادة جديدة لم تره يمارسها على مدى 38 عاما من حياتهما الزوجية. كما أشارت أسرة مروان إلى اختفاء الدفاتر الثلاثة التي كتب فيها مذكراته، وكذلك الأشرطة التي سجل عليها نص هذه المذكرات ولم يتم العثور عليها. طبقا لما ذكره أحد الباحثين، فقد عمل مروان مع الاستخبارات المصرية والإسرائيلية والإيطالية والأمريكية والبريطانية. وكان يعد لإفشاء أسرار كان يمكن أن تحرج ملوكا ودولا. فمن الذي استولى على الوثائق، إذا كان لها وجود بالفعل؟ وكان أهارون بريجمان يجلس في مكتبه بقسم أبحاث الحرب فى كلية كينجز كوليدج ينتظر مكالمة لم تصل من الجاسوس في ليلة رحيل الأخير. وعندما أخبرته شقيقته من إسرائيل أن مروان مات، أصابه الخبر بالاضطراب. لكن في سياق ميعادهما الذي لم يتم، لم يكن موته غير متوقع تماما. إذ كان بريجمان يعلم أن صديقه يخشى على حياته. وعلاوة على ذلك كان بريجمان يعلم أنه مسئول جزئيا عن هذا الوضع القائم. وقال بريجمان إنه أثناء دراسة مروان في لندن لم يكتف بما ترسله له الأسرة من مال، ويقال إنه يحصل على دعم مالي إضافي من أحد الشيوخ الكويتيين. وعندما علم عبدالناصر بذلك من السفارة المصرية فى لندن أمر صهره بالعودة إلى القاهرة بسرعة وطلب من مروان طلاق ابنته. لكنه ومنى رفضا الطلاق وهدأ عبدالناصر. وبعد ذلك طلب من مروان البقاء في القاهرة والذهاب إلى لندن فقط لتقديم أبحاثه وحضور الاختبارات. في عام 1969 زار مروان لندن لاستشارة أحد الأطباء بشأن علة فى معدته. وطبقا لإحدى الروايات التي رواها المؤرخ هوارد بلوم فى كتاب صدر عام 2003، سلم مروان الطبيب صورة أشعة إكس الخاصة به مع ملف يضم وثائق خاصة بالدولة المصرية وطلب تسليمه للسفارة الإسرائيلية في لندن. وبعد ثلاثة أيام اتصل أحد عملاء الموساد بمروان أثناء تجولهما في متجر هارودز بلندن. وطبقا لما جاء فى كتاب الملاك ليورى بار جوزيف الصادر في عام 2010، فقد اتصل مروان بالسفارة الإسرائيلية وطلب التحدث إلى أحد أعضاء فريق الأمن. لكن طلبه رُفِض مرتين على الأقل قبل أن يُسمح له في النهاية بترك رسالة. وعرَف مروان نفسه بالاسم وقال إنه يرغب في العمل مع الاستخبارات الإسرائيلية. في ذلك الوقت كان شموئيل جورين رئيس فرع الموساد في أوروبا موجودا في لندن. التقط جورين رسالة مروان وعلى الفور تعرف على اسمه. وبفضل قرب مروان من القيادات المصرية، كان الموساد قد فتح ملفا عنه بالفعل باعتباره مجندا محتملا. بل كان لديهم صورة فوتوغرافية لمروان التقطت له يوم زفافه قبل ذلك بأربع سنوات. وطلب جورين الرقم الذي تركه مروان، ولعلمه أن الوقت قصير فقد طلب منه البقاء في غرفته بالفندق. ورن جرس التليفون مرة أخرى وكان يتعين على مروان الذهاب إلى مقهى مجاور للفندق. وفى المقهى تقدم منه رجل عرفه بنفسه أن اسمه ميشا فقام مروان وصافحه. دفع مروان بظرف عبر الطاولة قائلا هذه عينة مما يمكن أن أعطيه لكم. أنا لا أطلب شيئا الآن، لكنى أتوقع أن أكافأ في اجتماعنا المقبل. وكانت أتعابه 100 ألف استرليني. والحقيقة أن إسرائيل تحاول منذ سنوات الإيحاء بأن مروان كان عميلا لها في حين أن هناك تقارير وشهادات عديدة تؤكد أن الرجل كان عميلا مزدوجا وأن المخابرات المصرية هي التي دفعت به إلى الاتصال بالموساد ليكون عميلا مزدوجا. ولم يكن هذا السيناريو بالتأكيد بعيدا عن تفكير مسئولي الموساد الذين خافوا أن يكون الرجل مدفوعا عليها ليمرر لهم معلومات غير صحيحة. لكن ما حدث هو أن المخابرات الإسرائيلية استجابت لإغراء فكرة تجنيد صهر رئيس الجمهورية في مصر. وعندما تحدث عميل الموساد مع مروان عن هذه المخاوف قال له الأخير بحسب الروايات الإسرائيلية إنه مستاء من حقيقة أن مصر هُزمت في حرب الأيام الستة في عام 1967. وأنه لا يريد سوى أن يكون على الجانب الرابح. وبعد هذا اللقاء، اجتمع ميشا مع جورين في سيارة تاكسي. وتصفح الاثنان وثائق مروان التي بدت حقيقية وقال عنها جورين: مادة كهذه من مصدر كهذا أمر يحدث مرة كل ألف سنة، ووصف أحد عملاء الموساد ذلك بأنه كأننا حصلنا على شخص ينام في سرير ناصر. وكانت كنية مروان في الموساد هي الملاك. ظل بريجمان حريصا. ففي كتابه الأول عن الموضوع، حروب إسرائيل، المنشور في عام 2000، أشار إلى الملاك باعتباره اليد اليمنى لعبدالناصر. وأرسل نسخة إلى مروان ولم يتلق ردا. وتشجع بريجمان وألف كتابه الثاني تاريخ إسرائيل الذي نُشر في 2002 الذي قال فيه: كتبت أن الملاك أحد أقارب ناصر. وزعمت أنه كان أحيانا يكنى بالصهر. وكانت تلك كذبة المقصود بها استفزاز مروان وإبلاغ الصحفيين الآخرين. ومرة أخرى أرسل بريجمان نسخة من كتابه إلى مروان تحمل الإهداء التالي إلى أشرف مروان بطل مصر. ومع ذلك نجحت الخطة. وفى مصر رتب صحفي آخر مقابلة مع مروان وسأله مباشرة عما يراه بشأن ادعاء بريجمان. فقال: كتاب بريجمان قصة بوليسية غبية. وبمزيج من الغضب والانتصار تحدث بريجمان في مقابلة أجرته معه مجلة الأهرام العربي عن مروان باعتباره جاسوسا. كما قال: لابد لي من الدفاع عن اسمي كمؤرخ. وفى 29 ديسمبر تلقى بريجمان مكالمة قال محدثه على الطرف الآخر: أنا الرجل الذي كتبت عنه. فرد بريجمان: كيف أتأكد من ذلك؟ فقال الصوت ببساطة: لقد أرسلت لي الكتاب بإهداء. عندما طلب بريجمان أن يكتب السيرة الذاتية لمروان رفض. وعن ذلك يقول بريجمان: لقد أراد للقصة أن تموت. لا سيرة ذاتية، وهذا محير فى ضوء المذكرات الضائعة المزعومة. لماذا بدأ مروان كتابة سيرة ذاتية إذا كان يريد للقصة أن تختفي؟ ويتساءل بريجمان: هل بدأ فعلا العمل فى الكتاب؟ ربما كانت تلك هي طريقته لمنعي من تأليف كتابي، وبمرور الشهور وطلب مروان المشورة من بريجمان بشأن الكتابة ـ بل إنه طلب من بريجمان تحرير الكتاب عندما ينتهي منه ـ أصبح الأكاديمي على قدر كبير من الشك. كنت أسأله من حين لآخر: ما اسم الكتاب؟ متى سيكون جاهزا؟ هل هو بالإنجليزية أم العربية؟ قال لي إنه سيكون بالإنجليزية لأن العرب لا يقرأن الكتب. بعد وفاة مروان أصبح العثور على دليل على وجود المذكرات هاجسا لبريجمان. فقد اتصل بكل أرشيف فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة ليرى إن كان مروان قد ترك أية نسخ منه. وحصل على رد واحد فقط من مارى كاري أمينة المكتبة في الأرشيف الوطني في واشنطن. ففي رسالة طويلة بالبريد الإلكتروني أكدت كاري أن مروان زار الأرشيف مرتين، في يناير ومارس 2007، والمرتين غير معلنتين. وساعدت كاري مروان على البحث عن اسمه على قاعدة البيانات في وثائق الحكومة الأمريكية المرفوع عنها السرية. وكان موجودا في تفريغ لمحادثة بين هنري كيسنجر وإسماعيل فهمي وزير الخارجية المصري السابق ناقش فيه الرجال الثلاثة صفقة سلاح. ولم يذكر مروان شيئا عن المذكرات. وبعد الزيارة الثانية أرسل مروان صندوقا من شوكولاته جوديفا. ولم يعد مرة ثانية. وأبلغ بريجمان الشرطة أنه يعتقد أن هناك كتابا، لكنه الآن غير مقتنع. وعلى الرغم من طلباته المتكررة لم ير كلمة واحدة. في إسرائيل أصبح مروان موضوع قضية مهمه تنظرها المحاكم بين ضابطين إسرائيليين كبيرين، هما الجنرال إيلى زعيرا رئيس الموساد قبل حرب أكتوبر 1973 وتسفي زامير رئيس الموساد السابق. فقد اتهم زامير، زعيرا بالكشف عن هوية مروان للصحافة الإسرائيلية. ورفع زعيرا دعوى ضد زامير يتهمه فيها بالقذف. وفى 25 مارس 2007 حكم القاضي تيودور أور بأن زعيرا سرب هوية الملاك لأشخاص غير مخول لهم ذلك. وأُعلن الحكم بعد ثلاثة أشهر، أي في 14 يونيو وبعد 13 يوما من وفاة مروان. ومرت السنون ومازال لغز حياة أشرف مروان وموته يبحث عن حل.
مشاركة :