تجاوزنا عام الجائحة بكل ما فيه من تداعيات اقتصادية صعبة، وتعطل لمعظم الأنشطة أو تباطؤ نموها التوقعات كانت متشائمة ولكن الدعم الحكومي للقطاع الخاص كان له الأثر الكبير في تخفيف الضرر والمرور من النفق المظلم ونتطلع إلى عام جديد يعود فيه الاقتصاد إلى النمو وتعود خطط وبرامج رؤية 2030 إلى تحقيق أهدافها، التراجع في الأرباح لا شك أنه حاد ومؤثر على أساسيات السوق ولكن المؤشر تجاهل كل ذلك وانفصل تماماً عن أي مؤثرات سلبية، واصل النمو وحقق أرقاماً لم يسجلها منذ عام 2014 تدفق السيولة العالية إلى السوق السعودية ونمو الاستثمار الأجنبي كانت هي المحرك الرئيس لتحقيق تلك الأرقام وعلى وقع المكاسب العالية دخل مستثمرون إلى السوق لاقتناص الفرص وتحقيق مكاسب رأسمالية من المضاربات السريعة فكانت هي السمة البارزة خلال الأشهر الماضية، التحليل الفني يشير إلى استمرار الارتفاع بدعم من شهية المخاطرة لدى المستثمرين مع سيولة عالية في الاقتصاد السعودي، وتشير نشرة البنك المركزي السعودي إلى زيادة في المعروض النقدي الأسبوعي هي الأعلى منذ بداية العام كما أن ندرة الفرص الاستثمارية الأخرى سوف تجعل تركيز المستثمرين على السوق المالية واهتماهم بها أكثر وخصوصاً أن الأسواق الأمريكية تحقق أرقاماً قياسية في الارتفاعات وهذا يعطي طمأنينة للمستثمرين بأن مخاطر التصحيح بعيدة وهذا بالتأكيد ليس في صالح السوق وربما تتشكل فقاعات قد تنفجر وتكبد المستثمرين خسائر كبيرة ولذلك لابد من تحوط المستثمرين لتلك المخاطر والتجارب تؤكد بأن الأرباح التي تتحقق من جنون التداول في الأسواق يأتي بعدها جنون تداول ولكن باتجاه معاكس بتراجعات حادة أو انهيارات كبيرة في الأسعار وخصوصاً الشركات المضاربية، نعود إلى نتائج الشركات لنفصل في الأرقام التي أعلنتها الشركات بنهاية المهلة المحددة من السوق المالية وهي 187 شركة وتم تعليق تداول أسهم 6 شركات لم تعلن نتائجها وهي "ريدان الغذائية" و"الكابلات السعودية" و"السعودية للصادرات الصناعية" و"العربية للأنابيب" و"الباحة للاستثمار والتنمية" في السوق الرئيس، بالإضافة إلى شركة "الأعمال التطويرية الغذائية" المدرجة في السوق الموازية لجلسة يوم الخميس الماضي ويتم منحها مهلة لمدة 30 يوما واذا لم تعلن سوف يتم تعليق تداولها حتى تنشر قوائمها المالية، في الغالب الشركات التي تأخرت في إعلان نتائجها لديها خسائر أو مشكلات مالية تحاول أن تجد لها حلولا، شركة سلامة للتأمين تأخرت في إعلان نتائجها يوماً واحداً وتم تعليق تداولها يوم الخميس ولا أعلم ما هي مبررات تأخر إعلان النتائج الذي تسبب في تعليق التداول وألحق ضرراً بمستثمريها وكان بالإمكان تقديم الموعد وتلافي إجراء إيقاف الأسهم عن التداول، الحقيقة أن لدينا أزمة إدارة وهكذا أخطاء يجب أن لا تتكرر، الشركات التي لديها نمو في الأرباح بلغت 101 شركة وهذا جيد رغم ظروف الجائحة وتراجعت أرباح 86 شركة أبرزها شركة أرامكو التي تراجعت أرباحها بحوالي 44% بسبب تراجع أسعار النفط وتخفيضات الإنتاج أما أبرز الشركات التي ارتفعت أرباحها كانت شركة النقل البحري التي استفادت من النمو المحقق في قطاع نقل النفط الخام وارتفاع معدلات أسعار النقل، أما شركة الكهرباء فقد استفادت من اعتماد تنظيم إيرادات الشركة وفق نموذج الحد الأدنى للتكاليف التشغيلية لتحديد الإيراد المطلوب للعام المالي 2020 وتغطية حساب الموازنة للفرق بين الإيراد المطلوب المعتمد والإيراد المتحقق لعام 2020 بمقدار 6,131 ملايين ريال ومع أن استهلاك الكهرباء قد تراجع خلال العام المنصرم إلا أن إعادة تنظيم الإيرادات سوف يعطي الشركة مجال لزيادة تدفقاتها النقدية وخفض مصاريفها التشغيلية وربما تتراجع أرباحها هذا العام إلا أن الشركة سوف تعود للنمو في السنوات القادمة مع التنظيم المالي وزيادة الطلب على الكهرباء، قطاع الرعاية الصحية استفاد من الجائحة بسبب منع السفر وزيادة الطلب على الخدمات الصحية، وكذلك قطاع الأسمنت الذي استفاد من القروض السكنية حيث حققت كل الشركات أرباحاً ماعدا شركة أسمنت الجوف التي حققت خسائر ولكن الخسائر كانت بسبب أنشطة استثمارية وليست ناتجة عن النشاط الرئيس للشركة، البنوك تراجعت أرباحها 23%.. مصرف الراجحي وبنك البلاد لم تتأثر أرباحهما بالجائحة ويعود ذلك إلى تركيزهما على مصرفية الأفراد وأعتقد أنها سوف تواصل تحقيق النمو في الأرباح وقد لا ينطبق ذلك على البنوك الأخرى التي قد تعاني من زيادة المخصصات في الفترة المقبلة، وقد تراجعت فعلياً الأرباح المجمعة للبنوك خلال شهري يناير وفبراير بمقدار 15% حسب الإحصائية الشهرية للبنك المركزي السعودي، قطاع الاتصالات حقق نمو بحوالي 8% بسبب زيادة الطلب على باقات البيانات وخصوصاً مع الحظر وتحول معظم الاعمال عن بعد ولا يزال التعليم يتم عن بعد وهذا حقق طلبا عاليا على البيانات بالرغم من التراجع الحاد في مبيعات الشرائح الجديدة بسبب توقف موسمي الحج والعمرة. الاقتصاد بدأ مرحلة التعافي الفعلية اعتباراً من الربع الرابع 2020 وظهر ذلك في نتائج الشركات التي تراجعت أرباحها بنسبة 16% مقارنة مع الربع الرابع من عام 2019 وهذا التراجع أقل من الربع الثالث الذي كان في حدود 37% والربع الثاني الذي تراجع 76% وحتى الربع الأول الذي سبق الجائحة كان التراجع أكثر من 27% ولذلك سوف يعود الاقتصاد الى النمو التدريجي مع زيادة جرعات التطعيم والوصول إلى المناعة المجتمعية وفك كل أشكال الإجراءات الاحترازية.
مشاركة :