تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي استهداف الأطفال الفلسطينيين، منتهجة جُملة من الأدوات في ملاحقتهم، وإعدام طفولتهم، وسلبهم أبسط حقوقهم، لاسيما عبر عمليات الاعتقال الممنهجة التي تُشكل جزءًا مركزيًا من بُنية عنف الاحتلال، والتي طالت الآلاف من الأطفال على مدار عقود. وقال نادي الأسير الفلسطيني، في تقرير صدر عنه بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني الذي يُصادف يوم غد الموافق الخامس من نيسان/ أبريل من كل عام، إن سلطات الاحتلال تواصل اعتقال نحو 140 طفلًا تقل أعمارهم عن 18 عامًا بينهم أسيران فتيان رهن الاعتقال الإداري وهما: أمل نخلة من رام الله، وفيصل العروج من بيت لحم، ويقبع الأسرى الأطفال في 3 سجون مركزية وهي (عوفر، مجدو، والدامون)، والنسبة الأعلى منهم في سجني (عوفر، ومجدو). ومنذ مطلع العام الجاري، وحتى نهاية شهر آذار/ مارس 2021، اعتقلت سلطات الاحتلال نحو 230 طفلًا، غالبيتهم من القدس، حيث تُشكل عمليات اعتقال الأطفال في القدس، من أخطر القضايا التي تواجه المقدسيين، جرّاء عمليات الاستهداف الممنهجة والمتكررة للأطفال، والتي غالبًا ما يتم الإفراج عنهم إما بكفالات، أو بتحويلهم إلى “الحبس المنزلي”، حيث حاول الاحتلال على مدار السنوات القليلة الماضية، بتحويل منازل عائلات الأطفال في القدس إلى “سجن”، وتركت هذه القضية تحديات كبيرة على صعيد العلاقة بين الأطفال وعائلاتهم، وعلى مستوى المجتمع في القدس. وعلى مدار السنوات الماضية، وتحديدًا مع بداية الهبة الشعبية عام 2015، صعّدت سلطات الاحتلال من جرائمها بحقّ الأطفال ومنها عمليات الاعتقال، حيث وصل عدد حالات الاعتقال في عام 2015 بين صفوف الأطفال إلى 2000 حالة اعتقال، جُلها في القدس، وهي أعلى نسبة لعمليات اعتقال طالت الأطفال منذ عام 2015 حتى اليوم. وبلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال منذ عام 2015 وحتى نهاية شهر آذار/ مارس 2021، أكثر من 7500 طفل تعرضوا للاعتقال، وجزء من الأطفال الذين اُعتقلوا عام 2015 وبعدها، وصدرت بحقّهم أحكامًا عالية وصلت لسنوات أو بالسّجن المؤبد، تجاوزا مرحلة الطفولة داخل سجون الاحتلال، نذكر منهم الأسرى، أحمد مناصرة، وأيهم صباح، وعمر الريماوي. ويُنفذ الاحتلال انتهاكات جسيمة بحقّ الأسرى الأطفال منذ لحظة اعتقالهم واحتجازهم، والتي تتناقض مع ما نصت عليه العديد من الاتفاقيات الخاصة بحماية الطفولة، وذلك من خلال عمليات اعتقالهم المنظمة من منازلهم في ساعات متأخرة من الليل ونقلهم إلى مراكز التحقيق والتوقيف، وتهديدهم وترهيبهم، والضغط عليهم في محاولة لانتزاع الاعترافات منهم، وإبقائهم دون طعام أو شراب لساعات طويلة، عدا عن توجيه الشتائم والألفاظ البذيئة إليهم، ودفعهم للتوقيع على الإفادات المكتوبة باللغة العبرية دون ترجمتها، وحرمانهم من حقهم القانوني بضرورة حضور أحد الوالدين والمحامي خلال التحقيق، وحرمان المرضى منهم من العلاج. وتتواصل الانتهاكات المنظمة بحقّ الأطفال بعد نقلهم إلى السجون، واحتجازهم في ظروف اعتقالية قاسية، فيها يحُرم الطفل من متابعة دراسته ومن حقّه في أن يحظى برعاية عائلته، خاصّة المرضى والجرحى منهم، فهناك عدد من الأطفال ممن أُصيبوا برصاص الاحتلال سواء خلال عملية اعتقالهم، أو قبل اعتقالهم، أو ممن يعانون من أمراض، فإنهم يواجهون جريمة أخرى، وهي سياسة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، بما فيها من أدوات مختلفة. ومنذ بداية انتشار الوباء ورغم النداءات التي أطلقتها المؤسسات الحقوقية من أجل إطلاق سراح الأطفال، فإن سلطات الاحتلال واصلت اعتقالهم، واستخدمت الوباء أداة تنكيل بحقّهم، والضغط عليهم وترهيبهم، حيث يواجه الأسرى الأطفال في قضية الوباء، ذات الإجراءات التي يتعرض لها الأسرى الكبار. وأقسام الأطفال لا تتوفر فيها الإجراءات الوقائية اللازمة، حيث تعرض الأطفال لعزلٍ مضاعف كما كل الأسرى، وحرموا من زيارة العائلة والمحامين لا سميا في الفترة الأولى من انتشار الوباء، الأمر الذي تسبب لهم بأزمات، وضغوط كبيرة على مستوى الحياة الاعتقالية. وما يزال غالبية الأطفال الأسرى وبسبب الوباء محرمون منذ عدة شهور من رؤية عائلاتهم فيما يُسمح للمحامين بزيارتهم، ومع ذلك ترفض إدارة السجون السماح للأطفال التواصل مع عائلاتهم عبر إجراء مكالمات هاتفية، رغم المطالبات المتكررة من أجل ذلك. ولم يستثن الأسرى الأطفال من عمليات التصنيف التي يفرضها الاحتلال، حيث يُطبق الاحتلال بحقّ الأطفال في الضفة القانون العسكري، فيما يُطبق إجراءاته الاستثنائية في القانون المدني الإسرائيلي على أطفال القدس، كجزء من سياسات التصنيف التي تُحاول فرضها على الفلسطينيين، كما لا يتوانى عن اعتقالهم إداريًا، تحت ذريعة وجود ملف سرّي. وشكّلت قضية نقل الأسرى الأطفال من سجن “عوفر” مطلع العام الماضي إلى سجن “الدامون” بما رافقها من شهادات مروعة، محطة اعتبرها الأسرى والمؤسسات المختصة، الأخطر على مصير الأسرى الأطفال، حيث حاولت إدارة السجون استهداف أحد أهم منجزات الأسرى في قضية الأسرى الأطفال، من خلال تجريد الأسرى الأطفال من ممثليهم من الأسرى البالغين الذي يُشرفون على رعايتهم، ومتابعتهم داخل الأسر، ومساندتهم في مواجهة ظروف تجربة الاعتقال القاسية. ورغم ما تفرضه إدارة سجون الاحتلال من سياسات ممنهجة تستهدف عبرها الأطفال الأسرى، إلا أن الأسرى والهيئات التنظيمية وعبر سنوات طويلة، تمكنوا من مواجهة أهدافها من خلال متابعة أوضاعهم في أدق التفاصيل، وعلى عدة مستويات، ومنها المعرفية والتثقيفية. وفيما يتعلق بحالة الفتى الجريح أحمد فلنة (17 عامًا) من بلدة صفا في رام الله، فقد اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في تاريخ 26 شباط/ فبراير 2021، بعد أن أطلقت عليه النار، وأصابته بخمس رصاصات في جسده، ونكّلت به. والفتى أحمد هو طالب في الصف الأول ثانوي، ما يزال يواجه وضعًا صحيًا صعبًا، حيث يقبع في سجن “مجدو”. وخضع أحمد لعدة عمليات جراحية منذ اعتقاله، أجريت له مجموعة منها في مستشفى “هداسا” الإسرائيلي، حيث تمت دون إطلاع عائلته في حينه، وعلى الرغم من وضعه الصحي الصّعب، وحاجته الماسة للبقاء في المستشفى، فإنّ إدارة سجون الاحتلال وبعد 4 أيام من إصابته، ومكوثه في مستشفى “هداسا” مقيدًا في السرير، نقلته إلى سجن “مجدو”، علمًا أن سلطات الاحتلال أخضعت الفتى فلنة للتحقيق أثناء وجوده في المستشفى، دون أدنى اعتبار لوضعه الصحي الصّعب. وأدت عملية نقله من المستشفى إلى السّجن، إلى تفاقم وضعه الصحي، حيث نُقل مجددًا إلى المستشفى “العفولة” بعد ذلك، وخضع لعملية جراحية أخرى، ثم أعادته إدارة سجون الاحتلال إلى سجن “مجدو”. ومن المفترض أن تُعقد له جلسة محكمة في تاريخ 12 نيسان/ أبريل الجاري، علمًا أن اليوم الموافق الرابع من نيسان/ أبريل يُصادف عيد ميلاده. واعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الفتى عيسى الطيطي (17 عامًا) في شهر أيلول/ سبتمبر 2020، بعد إصابته برصاص الاحتلال تسببت له بتشوهات في وجهه، وكسر في الجمجمة، وجرح بليغ في الرأس، حيث مكث في حينه في مستشفى “هداسا”، لمدة ثمانية أيام، نُقل لاحقاً إلى سجن “مجدو”، ثم إلى سجن “عوفر” حيث يقبع اليوم. ويعاني اليوم أوجاعًا دائمة في الرأس، حيث تُماطل إدارة السجون في توفير العلاج اللازم له، كما وتواصل حرمانه من لقاء أشقائه الأسرى جهاد ومحمد المعتقلين كذلك في سجون الاحتلال. علمًا أن محكمة الاحتلال أصدرت بحقّه حُكمًا بالسّجن لمدة 13 شهرًا. وفيما بحالة الفتى الجريح محمد خضر الشيخ من العيزرية (17 عامًا)، فقد اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في شهر آب/ أغسطس عام 2019، بعد أن أصابته بعدة رصاصات في جسده، ورفيقه الفتى نسيم أبو رومي الذي ارتقى شهيدًا في القدس في ذلك اليوم. وخضع “الشيخ” بعد اعتقاله لعدة عمليات جراحية في مستشفى “شعاري تسيدك” الإسرائيلي، وبقي في المستشفى لمدة عشرة أيام، ثم جرى نقله إلى سجن “عيادة الرملة” وبقي محتجزًا فيها لمدة أربعة شهور، ونقل لاحقًا إلى سجن “عوفر”. ويواجه الفتى “الشيخ” الذي حكم عليه الاحتلال بالسّجن لمدة عشرة أعوام، ظروفًا اعتقالية صعبة جرّاء سياسة الإهمال الطبي التي تنفذها إدارة السجون بحقّه، لا سيما أن محمد يُعاني من وجود رصاصة بالقرب من القلب، إضافة إلى شظايا في جسده.
مشاركة :