الدين الإسلامي والإسلام السياسي، كمثل خطين متوازيين لا يلتقيان، فهما مختلفان في الأصل والغاية والوسيلة، فالدين الإسلامي دين الاستقامة والاعتدال والوسطية فهو بوصلة الفطرة الإنسانية سلوكا واعتقادا، بينما الإسلام السياسي شريعته أيديولوجيا سياسية هدفها اتساع النفوذ وتولي السلطة باسم الدين، من خلال جماعات وأحزاب تتبنى شعارات إسلامية لتسييس الدين لخدمة مصالحها التي هي خارج إطار مبادئ وقواعد الإسلام الحقيقية. الإسلام السياسي أو الجماعات الإسلامية أو المسلمون الديمقراطيون، اختلفت المسميات باختلاف مذاهب تلك الجماعات كجماعة الإخوان المسلمين وحزب الله وتنظيم القاعدة، ومن على شاكلتهم، تحت عباءة الإسلام، لاستقطاب من يداعبون عواطفهم بصبغة دينية، مستغلين ضحالة وعيهم لكسب تأييدهم، بغية تحقيق أهدافهم السياسية الضالة والمضلة. في مقالتي السابقة ذكرت أن غاية البقاء للأقوى أحدثت التطرف الديني، الذي يعد السبب الجوهري الذي تتغذى عليه الصراعات بين الأفراد المختلفين في عقائدهم ومذاهبهم، فهو من أيسر السبل وأكثرها فاعلية لهذه الجماعات لنشر أفكارهم الخبيثة المُقَنَّعة بسمات الدين الإسلامي، فأينما وجدت هذه الجماعات نجد خلافات وانقسامات ضحيتها المصلحة العامة، التي تضرر منها مؤيدوهم قبل معارضيهم، فهم يدعون أنهم حماة لها ودعاة سلم وإصلاح للحفاظ عليها من خلال شعارات: تطبيق الشريعة والصحوة الإسلامية، وهم في الحقيقة متخذون كل ذلك ذريعة تشرع العنف والتكفير والقتال الذي دمر شعوب ومستقبل الأوطان التي تحت سطوتهم، ما جعل الإرهاب لعنة تطارد كل مسلم على وجه الأرض. العراق ولبنان وسوريا وغيرها من البلدان التي رزحت تحت وطأة أفكار هذه الجماعات، الساعية إلى إسقاط الأنظمة المدنية وإقرار أنظمة إنصاف الحلول، مستندين على أوهام بزعمهم أنها أدلة مستمدة من تعاليم الدين الإسلامي، من الصعب أن تتعافى تلك الدول من استيلاء هذه الجماعات على واقعها ومستقبلها، وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحالية في لبنان دليل قاطع على ذلك. لبنان أصبح دولة تحت ظل حزب يمارس بطشه وهيمنته على القطاعات الحيوية ضاربا بسيادته عرض الحائط، ما وضعه في مأزق استباح كرامة الإنسان الحيادي، الذي أُجهضت حقوقه وضاع مستقبله ليدفع ثمن ولاء حزب إرهابي ينفذ إملاءات نظام المرشد ويواليه ويخدم مصالحه. جماعات الإسلام السياسي قد تتخذ سبلا سلمية حسب مدى توسع وتغلل أتباعها، كي يظن الناس أن همهم وغايتهم حماية الدين واتخاذه نهج حياة رغيدة لمستقبل أوطانهم، وهذه بمثابة «التقية» ولكنها سياسية وهي أخطر من العنف والعداء الصريح، هذا المسلك الذي من خلاله سعوا إلى أدلجة العقول، والإيهام بتحقيق العدالة الاجتماعية كمناصرة القضايا ومطالبة الحقوق، وذلك بتضخيم مشكلات المجتمعات من العدم ومحاولة تأليب أفرادها ضد أنظمة دولهم لإثارة الفوضى التي بدورها تزعزع الأمن وتسقط حكومات الدول التي يريدون سلب سيادتها وثرواتها في آن واحد. إنهم يدينون بدين لا يتبعه الشيطان لو كان له دين، فالدين الإسلامي براء مما يعتقدون ويفعلون.
مشاركة :