ما يسمعه «وحيد الفن»

  • 8/8/2020
  • 00:00
  • 38
  • 0
  • 0
news-picture

عليك أن تصغى لصوت الريح، حفيف أوراق الشجر، تهديدات الرعد ووعود البرق، نحيب حصان، لتعرض سائسه لذبحة صدرية، غناء طائر ورقصات البجع، هدير نهر لقاء طعنة حجر صبي عابر، طلقة من بندقية صياد، أن تصيخ هكذا، وليس بالضرورة أن يكون الهدف آنيا، فما لا يصيب لحظيا سينحت تجويفات الذاكرة ويصنع تراكما محمودا بكل تعرجاته واستقاماته. بين الحربين العالميتين، وما بعدهما، فرضت رقابة رومانية صارمة على الأدباء والفنانين في رومانيا الحديثة، غير أن مجموعة مثل الشاعر والمسرحي جيللو ناوم، والشاعر كونستانتين نويكا، والكاتب بول غوما، والروائي والمسرحي مارين سوريسكو، تمكنوا من الهرب من الرقابة الأمنية المشددة، لصناعة خارطة أدبية فنية رومانية بصبغة عالمية، ولم يحصد أي منهم جوائز عالمية بسبب صرامة النظام الأحمر. بينما تنعَّم غيرهم من الرومانيين بنوبل وغيرها من الجوائز، كونهم لجأوا للهجرة واختاروا المنفى، أوجين يونسكو، ميرتشا إلياده، ومن دهن كل المياه بلون الغرق، فيلسوف السواد وعراب الاكتئاب إميل سيوران، وهذا ما لم ينصت له وحيد الفن جورجي حاجي، رغم دقة إنصاته الفاره لكل ما يدور حوله، يصيخ السمع لضربة مسامير كديسة دفاعات الرقابة على عشب دائرة الاستاد الرياضي، فبينما هجر إميل سيوران قريته الرومانية رازيناري -التي ودعت وداعتها إبان الحرب- ليغسل عرق جبينه بماء تلون بالغرق، استمر جورجيو حاجي في تقوية عضلتي فخذيه الخلفيتين، ركضا على جبال رازيناري، وتليين تصلب كاحليه برقة ماء الدانوب. لم يختر «حاجي» الهجرة المطلقة ليحصد الجوائز، ولا البقاء المطلق فيخسر التكريم، فرغم تمثيله لأعرق فرق كرة القدم الأوروبية، إلا أنه وازن ذلك مع العودة المتكررة لمداعبة الكرة مع صِبْية أزقة بوخارست، مثل منتخب رومانيا بسن صغيرة، وحمل شارة كابتن وقائد المنتخب الروماني، ما أن اقتحم عمر العشرين، وكونه اختار الهروب من الرقابة، على طريقة المسرحي مارين سوريسكو، فقد أجاد الهرب في كأس العالم 1990 من رقابة مقصلة دفاع «الكاتيناتشو» الإيطالية الصارمة، والمعربة من الإيطالية إلى «مزلاج الباب» قاد منتخب بلاده، بعد ذلك، إلى الدور ربع النهائي بكأس العالم 1994، فأصبح منتخب رومانيا عضوا حاضرا ورئيسيا طوال سنوات مشاركة «حاجي» لمنتخب بلاده، وعندما اعتزل كرة القدم عام 2001 لم يصل بعدها منتخب رومانيا لنهائيات كأس العالم، إلى يومنا هذا. ما صنعه «وحيد الفن» هو الهرب من الرقابة اللصيقة القريبة من بيته، وريحان جدته، وحقل خالته، لا هرب الهجرة إلى منفى اللا هوية والهدف. ·       العنوان مستوحى من المضمومة الشعرية «ما يسمعه وحيد القرن» للفيلسوف والشاعر الروماني لوتشان بلاغا.

مشاركة :