«الرؤية المستقبلية للسعودية 2030» التي أقرها مجلس الوزراء في أبريل 2016، أي قبل ثلاث سنوات تقريبًا، تعد من أهم القرارات الاستراتيجية في تاريخ الوطن، والتي إذا ما تم تنفيذها على الوجه المطلوب فإنها ستشكل نقلة نوعية في مسيرة هذه البلاد، وستفتح الأبواب للسعودية للدخول إلى نادي العالم الأول بكل جدارة. إذا كانت «الرؤية» هي الصورة الذهنية التي تتطلع الدولة أن تكون عليها -بمشيئة الله- عام 2030، تتوحد حولها كل الجهود وتذوب من أجل تحقيق أهدافها كل الحدود، ولتحقيق هذه «الرؤية» يتطلب وجود عدد من الخطط الاستراتيجية والتشغيلية وخطط لإدارة التغيير وإدارة المخاطر طويلة وقصيرة المدى، ويتطلب للحكم على نجاح هذه الخطط توفر مؤشرات ومقاييس واضحة وقابلة للقياس تجعل القائمين على «الرؤية»، ليس فقط قادرين على قياس مدى مستوى التقدم، ولكن أيضًا مقارنته بمعاير دولية ثابتة وضوابط راسخة لضمان قياس الأثر بكل شفافية وتجرد. تحتاج «الرؤية» لتحقيق أهدافها في الدرجة الأولى، توفر العنصر البشري المؤهل والقادر على القيام بدوره على أكمل وجه، فهو المحور الأساسي في مجمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو أيضًا غايتها، ولهذا نلمس تحول الأدبيات الاقتصادية في الوقت الحاضر إلى التركيز على الاستثمار في العنصر البشري، باعتباره مفتاح التنمية بشتى أنواعها. جوهر «الرؤية» يركز على مرحلة ما بعد النفط والتخلص من حالة «الإدمان النفطي» كما سماها سمو مهندس الرؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، وذلك من أجل ضمان استدامة التنمية والمحافظة على رفاهية المجتمع وعدم الاعتماد على مصدر دخل واحد، وبالتالي ضمان توفير حياة كريمة للمواطن. لقد تطرقت «الرؤية» في افتتاحيتها إلى أن السعودية تملك الكثير من البدائل للبترول التي تجعلنا لا نقلق على مستقبل هذه البلاد، في وطننا وفرة من بدائل الطاقة المتجددة، وفيها ثروات سخية من الذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها، وأهم من هذا كله، ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعب طموح، معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها بعون الله. نعم ثروة العنصر البشري التي لا تعادلها ثروة، الثروة المستدامة، والاستثمار الحقيقي، وبالتالي فإن الاستثمار في العنصر البشري هو السبيل الوحيد لتحقيق كل التطلعات، وهو السبيل الوحيد لتحقيق الرؤية لأهدافها، الاستثمار في العنصر البشري كان ومازال هو هاجس الدولة منذ تأسيسها، وقد بدأت السعودية الاستثمار في العنصر البشري منذ تأسيسها من خلال التوسع الرأسي والأفقي في التعليم والتدريب والتطوير، وفي السنوات الأخيرة من خلال افتتاح عشرات الجامعات وابتعاث عشرات الآلاف من الشباب، ليتم إعدادهم وتأهيلهم لخدمة التنمية في وطنهم، بعد أن تزودوا بالعلوم والمعارف والمهارات اللازمة للمنافسة في هذا العصر. الاستثمار في العنصر البشري لا يتحقق إلا من خلال التعليم على المستويين الرأسي والأفقي، ولكن ليس أي تعليم وإنما التعليم الكفء، التعليم الفاعل، التعليم الجاد، ولهذا لم تغفل «الرؤية» هذا البعد، فلقد تضمنت الاهتمام بالتعليم الذي هو المفتاح السحري لأي تطور ونمو وازدهار. الاستثمار الأمثل في العنصر البشري لا يتم إلا من خلال برامج وحاضنات تعليمية متطورة وذات مستوى وجودة عالية تضمن مخرجات تعليمية مؤهلة، فهل لدينا نظام تعليمي قادر على القيام بهذا الدور؟. للأسف المؤشرات ليست مشجعة عندما نتحدث بشكل عام عن التعليم، وعندما نضع نصب أعيننا متطلبات الرؤية، وشراسة المنافسة العالمية، وتحديات المرحلة، ولهذا يفترض أن ينصب كل اهتمامنا على تطوير التعليم، إصلاح التعليم، تجويد التعليم، سميه ما شئت وإلا سيكون هناك هدر كبير للجهود وللمال وتأخر واضح في تحقيق «الرؤية» لأهدافها. ليس هناك وقت لتكرر الأخطاء السابقة، حيث صرفت الدولة ميزانيات هائلة وجهود كبيرة، ولكن عندما تقيس الأثر فإنك لا تجد شيئًا مشجعًا على أرض الواقع، العبرة اليوم ليست فيما يصرف ولكن العبرة بعائد ما يصرف على التعليم، العبرة ليست في عدد المدارس أو الجامعات ولكن في مستوى مخرجات تلك المدارس وتلك الجامعات ومقارنتها بالجامعات العالمية المتميزة. المرحلة تتطلب وقفة حزم وعزم لإصلاح للتعليم، مستشعرين حجم المسؤولية، مدركين أن نجاح «الرؤية» أو فشلها سيكون المسؤول عنه التعليم والإصلاح، وبالتالي يتطلب الإصلاح في كل مدخلات العملية التعليمية وفي مقدمتها العنصر البشري، سواء كان معلمًا أو طالبًا أو مديرًا أو مشرفًا. حتمًا سيأتي عام 2030، فإذا جاء والتعليم كما هو عليه، فسلام على «الرؤية» ووقتها لا ينفع الندم، حيث إننا «لا كسبنا ولا سلمنا الخسارة».
مشاركة :