فلسفة المراجعات الفكرية فلسفةٌ صحيةٌ ولا شك، بشرط أن تكون مقرونةً بعقلية المفكر الباحث عن الحقيقة، وليس بخطاب عقلية السياسي الانتهازي المتلون، والذي يتقلب ويترقب من هو المنتصر، لا قيمةَ لأي مراجعةٍ فكريةٍ لظاهرة الصحوة دون الدخول في عمق جذورها الفكرية، والنظر في مصادر التلقي لديها، ودون الاعتراف بآثارها السيئة على المجتمعات الإسلامية. على دعاة الصحوة الذين تراجعوا عن فكر ما يسمى بالصحوة، أن يستحضروا بشيءٍ من التفصيل، ماذا صنعت الصحوة بالمجتمع السعودي خاصة وبالمجتمعات الإسلامية عامة؟، وسأحاول ذكر بعض ذلك على جهة الاختصار: 1- التيار الجهادي: في الفترة بين عامي2003 – 1998 م، نشاطٌ صاخبٌ واستقطابٌ ميدانيٌ للتيار الجهادي، وكانت الكتابات والفتاوى والمقالات التي تصدَّرَ لها بعض منظِّري الصحوة من أمثال ناصر الفهد، أحمد الخالدي، فارس بن شويل، وآخرون، تُمهِّدُ الطريق للعمل الجهادي، وبدأ التيار الجهادي يستقطب المئات من شباب «الصحوة» لأجل الالتحاق بتنظيم القاعدة. «المحافظون والإصلاحيون في الحالة الإسلامية السعودية للقديمي ص24». 2- نشر الفكر التكفيري الإخواني القطبي وظهور توحيد الحاكمية: من أكثر المفاهيم التي شاعت في حقبة ما يسمى بـ«الصحوة»، مفهوم الحاكمية بأبعاده السياسية الذي جاء به «سيد قطب» و«المودودي»، فقد اتخذت «الصحوة» من مصطلح الحاكمية لله شعارًا دينيًا تفرضُ به أجنداتها، حتى تحوَّلَ هذا المفهوم إلى مرتعٍ خصبٍ لتكفير الدول والمجتمعات المسلمة، وحجةٍ لاستباحة الدماء، وبه تمَّ تجييشُ الشباب ضدَّ أوطانهم ودولهم، بل وصل الأمر بدعاة «الصحوة» أنهم أظهروا لنا نوعًا جديدًا من أنواع التوحيد اسمه «توحيد الحاكمية»، وقد تمَّ الترويج لهذا المصطلح كقسمٍ جديدٍ من أقسام التوحيد، وقد ظهر هذا المصطلح في كتب ودروس متعددة لجملة من الدعاة، منهم: سفر الحوالي في كتابه «ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي» ص 67، وهي أطروحته في الدكتوراه، والتي قد أشرفَ عليه فيها محمد قطب أحد أكبر منظِّري حقبة ما يسمى بـ«الصحوة». 3- صمتُ دعاة «الصحوة» ورموزها: لماذا صمتَ دعاة الصحوة في المنابر العامة عن مواجهة الفكر الجهادي التكفيري وقت رواجه وانتشاره وتأثيره على الشباب المتدين، وهم يرون بأعينهم أفكار القاعدة وهي تستقطب شباب الصحوة إلا بعد أن بدأ التضييق على التيار الجهادي عام 2003م. «المحافظون والإصلاحيون في الحالة الإسلامية السعودية ص25». 4- تكفير الدولة السعودية: ظهور موجة تكفير الدولة على ألسنة شباب الصحوة، فلقد كنا نسمع من يسمي الوطن وثنًا، والوطنية وثنية، إضافةً لظهور كتاب المقدسي «الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية»، والذي تجاهلَ دعاة الصحوة الردَّ عليه وتفنيد مزاعمه. 5- الوقوف ضد الدولة في أزماتها السياسية: لن ننسى الوقوف المنتكس لدعاة الصحوة وقت أزمة الخليج واجتياح صدام حسين الكويت، الدولة تقاتل من أجل حماية الأرض والشعب والمقدسات، ودعاة الصحوة يتحدثون في منابرهم عن أسباب سقوط الدول، وكيفية سقوط الدولة.
مشاركة :