لقد ذكرت في مقالتي السابقة أن التباعد الاجتماعي الذي تم استخدامه حول العالم كإحدى وسائل مواجهة تمدد وباء كورونا، والتصدي لانتشاره ما بين الناس، قد كانت له جوانب إيجابية عديدة على المستوى النفسي والاجتماعي للأفراد، لعل أهمها إعادة اكتشاف الأفراد لذواتهم كما سبق وذكرت، أو اكتشافهم لعائلاتهم، كما سأتطرق إليه في مقالتي هذه. فنحن مجتمعات ترتبط فيها العلاقات ما بين الأفراد بشبكة كبيرة ومتشعبة من العلاقات المتداخلة التي تستهلك الكثير من الوقت والجهد، وحتى الترابط النفسي والعاطفي، بالشكل الذي يجعل هؤلاء الأفراد مشغولين بعلاقاتهم مع محيطهم الاجتماعي الخارجي أكثر من انشغالهم بأفراد عائلاتهم وارتباطهم بهم، مما جعل هناك فجوة معرفة وجفاء عاطفيًا ونفسيًا في بعض الأسر التي ينصبّ تركيز أفرادها على علاقاتهم وأنشطتهم الاجتماعية خارج المنزل على حساب العائلة وأفرادها. مع تطبيق قوانين التباعد الاجتماعي وفرض القيود على الخروج من المنازل وممارسة الأنشطة الاجتماعية، وجد أفراد الأسرة الواحدة أنفسهم بمواجهة بعضهم البعض، مواجهة حتمية ولأوقات طويلة، مما دفعهم لبناء علاقات أكثر متانة مع بعضهم البعض، علاقات جديدة ترتكز على معرفة أكثر عمقًا وارتباطات نفسية أكثر قربًا وحميمية. هذه العلاقات التي نشأت ما بين أفراد الأسر تمثّل شيئًا من اكتشاف العائلة لنفسها، قد تُبنى عليها علاقات أكثر متانة وارتباطات أسرية سيكون لها تأثيرات نفسية وعاطفية وتربوية على الأفراد ستنعكس بالإيجاب على الأسرة وعلى المجتمع ككل في المستقبل، لا شك بذلك.
مشاركة :