لا أتصور أن الزوجين «توفلر» حينما شرعا في تأليف كتابهما «الموجة الثالثة» وتحدثا فيه عن موجة حضارية جديدة، سيكون محورها الآلة وليس الإنسان، قد تصورا حقيقة تأثير التحوّل المهول نحو هذه الآلة ومدى سرعة تطوّرها وعمق تأثيرها ومباشرته على الإنسان، هذا التأثير الذي تشهد البشرية الإرهاصات الأولى فقط منه، فماذا عن القادم منه يا ترى؟. فمنذ اخترع الإنسان السكين في كهفه، والمنجل في مزرعته، والآلة البخارية في مصنعه، والآلة كانت في خدمة الإنسان والعامل الأهم الذي يمنحه الكثير من القوة في مواجهة الطبيعة والقليل من الجهد أيضًا، ولطالما ظن بأنها ستكون كذلك دائمًا، ولم يتصور حتى في أكثر تجليات خياله جموحًا بأنها قد تكون منافسًا له، وخطرًا مباشرًا وحقيقيًا على مصدر رزقه، لكن يبدو أن هذا ما حدث وسيتصاعد بشكل كبير وسريع خلال السنوات القليلة القادمة. فسوق العمل يمرّ بحالة ارتباك في ظل الإحلال المتسارع للآلات بدلًا من البشر، من خلال خطط «المكننة والأتمتة» التي تسعى لها الشركات والحكومات على حد سواء، لتقليل التكاليف وزيادة الإنتاج. وفي الوقت الذي يبتهج به المهندسون والعلماء والتجار وأصحاب رؤوس الأموال، بتقدم الآلة وبعمليات الإحلال التي تتيحها لهم، موفّرة عليهم آلاف الوظائف وتكاليف الإنتاج الأخرى، فإن المشغولين بالعلوم الإنسانية والأمن الاجتماعي يحذّرون من كارثة مجتمعية قادمة قد تسببها حالات البطالة وغياب فرص العمل، بسبب هذا الإحلال، فهل ستكون هذه الآلة هي «حجر سنمار» الذي قد يهدم المجتمع البشري على رأس الإنسان؟، ربما!.
مشاركة :