من قديمنا الجديد.. سلوكيات غير مقبولة في ملاعب الطائرة تحتاج إلى وقفة وحزم

  • 4/5/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كتب: علي ميرزا هناك عدد من الكتابات لا يموت لأسباب ليس المكان مناسبا للتطرّق إليها، بل تظلّ ممتدة وصالحة للقراءة حتى تزول الأسباب التي فرضت استمرارها ، وربما مقالتنا هذه التي لم تكن وليدة اللحظة، بل كتبناها قبل عدّة مواسم وبالتحديد في موسم 2018، وربما هناك عدد يزيد أو يقلّ من القراء والمتابعين لا يزال يحتفظ بتفاصيلها، وآثرنا أن نعيد نشرها من جديد لأنّ السلوكيات التي تطرّقت إليها المقالة مازالت تتنفّس، وتظهر بين الحين والآخر لأنها بكل صراحة لم تجد ما يردعها. «هناك سلوكيات خاطئة في ملاعبنا للكرة الطائرة، ولا نريد أن نعطيها وصفا أكثر من حجمها، هذه السلوكيات بدأت رقعتها تتّسع، وتنتقل مثل العدوى من الكبار إلى الصغار، وهنا تكمن الخطورة، وهذه السلوكيات التي سنتطرق إليها بالنقاش والتّحليل، واقتراح الحلول التي نرى فيها أنها قادرة على الحد من انتشارها، وحتى لا تصل هذه السلوكيات إلى مرحلة الظاهرة، يتطلب تضافر الجهود من الجميع، ولا نتركها على عاتق جهة بعينها عملا بمقولة (كلكم مسؤول) لأنّ ما أوصلها إلى هذا المستوى هو السكوت عنها لسبب أو لآخر، وحان الوقت لأن نتصدّى لها، كلّ بحسب اختصاصه ومهمّته، ولا يأخذنا التعصّب أو حبّ الذّات أو المنفعة دون الوقوف حيالها، حتى لا تتفاقم، وعندها سيفلت الزمام، ويتّسع الرّقع على الراقع. إصابة أم دلع؟ لا يختلف اثنان على أنّ تعرّض أيّ لاعب في أيّ لعبة رياضية للإصابة (الله يبعدها عن الجميع) وارد، غير أنّ هناك فارقا كبيرا بين تعرّض لاعب ما للإصابة وبين تصنّعها ومحاكاتها، والكشف عنها لا يحتاج إلى عبقرية (إينشتاين)، خاصة عندما نشمّ منها رائحة التصنّع الذي قد يصل إلى درجة الدّلع إن صحّ التوصيف، وإلا ما تفسير أن يسقط لاعب ويوحي للجميع بأنه قاب قوسين أو أدنى من فقد حياته، وما هي إلا برهة من الوقت وإذا به يقوم أقوى مما كان، وكأنّ ما رأيناه مجرّد سراب، بل ماذا نقول عن هذا اللاعب نفسه عندما يتكرر منه هذا الموقف في المباراة الواحدة، فضلا عن مباريات أخرى؟ فالحلال بيِّن والحرام بين، والأمر لا يحتاج إلى أن نفلسف الأمور أكثر، ولا نترك لأمثال هؤلاء اللاعبين، ومن يفكر في السير على منوالهم أن يستغلوا ثغرة في القانون ليفرضوا علينا فهما خاطئا يعكرون به الأمزجة، ويبتعدون بالرياضة عن أهدافها السامية، بل يدخلوننا في متاهات الجميع في غنى عنها، فالقانون واضح في هذا الشأن، غير أن حكم المباراة، ومن في مسؤوليته ينبغي أن يكون واعيا كل الوعي، حتى لا تمر عليه مثل هذه الحركات المتصنعة التي لا تمت للرياضة والسلوك الرياضي السوي بصلة، وحتى لا يكون شريكا في المسؤولية. وتطرقنا الى هذا الأمر ليس بالأول من جانبنا، بل سبق لنا أن حملنا استفسارنا القانوني إزاء السقوط المتصنع للإصابة هذا إلى أخينا الحكم الدولي المتقاعد والمدير التنفيذي لاتحاد الطائرة الأستاذ عبدالخالق الصباح الذي بدوره طلب منا إمهاله لمخاطبة الاتحاد الدولي للحصول على فتوى قانونية وجاء الرد ونشرناه على صفحة أخبار الخليج الرياضي حينذاك، ونرى شخصيا أن الحكم لا ينبغي له أن يتمسك حرفيا بما يقوله القانون هنا، بل يجب عليه أن تكون له شخصيته التي تحفظ له إخراج المباراة إخراجا يحفظ لها قدسيتها الرياضية والأخلاقية والقانونية، بدلا من أن نعطي الفرصة لهؤلاء وأمثالهم لتشويه الموقف تسترا تحت بند قانوني وكأنه منزل من السماوات السبع. غياب القدوة ولو اقتصرت السلوكيات الخاطئة على أجواء الكبار، لكان الأمر يمكن احتواؤه، ولكن الطامة الكبرى أن العدوى انتقلت إلى أجواء الفئات العمرية، وقد كانت المواقف أكثر وضوحا في نهائيات الفئات الأخيرة، ورأينا أكثر من موقف في أكثر من فريق، والسؤال الذي ينبغي أن نتجرأ ونسأله وهو: من أين تعلم هذا اللاعب الناشئ هذا السلوك؟ فالجواب لا يخرج عن مسارين، فإما أن هذا الناشئ قد شاهد هذا السلوك بأم عينيه من أحد اللاعبين الكبار الذين يرى فيهم أو في أحدهم أنه مثله الأعلى وقدوته، أو أن هناك تعليمات من بعض المدربين للاعبيهم بافتعال مثل هذه الحركات في توقيت معين من الأشواط لغاية في نفس يعقوب، غير أنني شخصيا أستبعد هذا الخيار الأخير، وأنا أوردته لأن هناك كلاما بدأ يطفو على السطح بأن سلوك بعض اللاعبين في تصنع الإصابة يقف وراءه تعليمات من مدربيهم، وإن كان ما يتردد صحيحا، فعلى الرياضة السلام والإكرام، لأن مدرب الفئات العمرية هو مربٍ في الأساس قبل أن يكون مدربا، فالتربية تقوم على غرس السلوكيات الإيجابية والحميدة التي تكون محل قبول الوسط التي توجد فيه. أما عن غياب القدوة للناشئ الصغير من بعض اللاعبين الكبار وليس كلهم، فهذا لا يحتاج الى دليل ومثال صارخ حتى نؤكد ما نقوله، والمواقف أكثر من أن تعد وتحصى، فهناك سلوكيات تصدر من أمثال هؤلاء اللاعبين، وأمام أعين مدربيهم ومشرفي فرقهم الرياضية، ولا تجد من الأخيرين أي ردة فعل معاكسة، بل ربما تجدهم يتضامنون معهم جراء ضعف الشخصية التي تجعلهم لا يهشون ولا يبشون، والناشئ لم يصل بعد إلى المرحلة التي تخوله لأن يفرز، ويقوم بفلترة كل ما يرد إليه ويراه من سلوكيات، خاصة إذا كانت صادرة من عنصر يرى فيه هذا الناشئ قدوته ومثاله، عندها يأخذ كل شيء بإيجابياته وسلبياته، ومن ثم يقوم بتمثلها، وإذا لم يجد هذا الناشئ من يلفت نظره إلى خطأ ما يقوم به، فسيتشربه ويصبح من ثقافته الرياضية السلوكية، والأمر يتحمله اللاعبون الكبار، خاصة الذين ينظر إليهم الفتية الصغار بأنهم نجوم، فالنجوم عليهم أن يكونوا دقيقين في تصرفاتهم، لأن هناك من يراقبهم ويقلدهم. الاعتراف سيّد الأخلاق من السلوكيات غير المحمودة في ملاعب الطائرة عدم اعتراف اللاعب بالخطأ الذي يرتكبه، رغم وجود بعض اللاعبين الذين يشكلون استثناء بعيدا عن القاعدة الذين عرفوا بين الحكام بعدم ترددهم عن الاعتراف بخطئهم حال وروده من خلال رفع أيديهم عاليا إلى الحكم، وخاصة في ألعاب لمس الشبكة، أو لمس الكرة الهجومية لحائط صده، ومثل هذه السلوكيات تكون سببا في تهييج مشاعر المتفرجين، وأنصار الفرق، خاصة إذا وضعنا بعين الاعتبار أن أكثرهم تفصله مسافة عن قانون اللعبة، ومثل هذا السلوك يضع الحكم في موقف لا يحسد عليه، ويحمله أنصار الفريق الخاسر سبب الخسارة، ويتحول هذا الحكم بين ليلة وضحاها إلى خصم لهذا الفريق أو ذاك، وكم من لعبة ثار إزاءها اللاعبون والجمهور، غير أنهم سرعان ما عادوا الى طبيعتهم بسبب تأكيد اللاعب نفسه بأن الكرة لامسته، أو أنه يقف وراء لمس الشبكة، أو أن مدرب الفريق أكد لهم بأن كرة الفريق المنافس كانت في الملعب، ولا يحتاج الأمر إلا لشجاعة مهما كانت نوعية المصلحة، فالاعتراف بالخطأ لا يقلل أبدا من شأن اللاعب بقدر ما يرفع من ذاته، ويجعله محل احترام وثقة، فضلا أن سلوك الاعتراف بالخطأ سلوك ثقافيّ احترافي متحضر قبل أن يكون سلوكا رياضيا، ومثل هذا السلوك لا يزرع في اللاعب بين ليلة وضحاها، بل ينبغي أن يغرس في الناشئ منذ سنوات التكوين حتى يتشبعه، ويتحول إلى سلوك معاش مع تقادم الوقت. احتجاج فوضوي من الصور الواضحة والمتكررة في ملاعب الطائرة الاحتجاج الجماعي على قرار يصدر من طاقم التحكيم، يرى فيه جيش المحتجين أنه خطأ، فنحن هنا لسنا بصدد التوقف عند صوابية قرار الحكم من عدمه، ولكن ما يعنينا هو التوجه الجماعي من لاعبي الفريق إلى الحكم بالاحتجاج، وربما ينضم إليهم عنصر من عناصر الجهاز الفني أو الإداري وربما بعض البدلاء، رغم علم الجميع أن هذا السلوك خاطئ باسم القانون، ورغم علم الجميع أن القانون خول عنصرا واحدا لا شريك له يكون مخولا لأن يحتج أو يناقش الحكم في قراره وهو اللاعب رئيس الشوط، فهذا الاحتجاج الجماعي الفوضوي دليل ربما على الجهل بالقانون، أو عدم الاعتراف بشخصية رئيس الفريق أو الشوط، فمتى يعي لاعبونا إلى مثل هذه الأمر. والأمر هنا لا يتوقف عند اللاعبين المحتجين فقط، بل هناك بعض الحكام مع شديد الأسف يعتقد في قرارة نفسه بأن التهويش باليد أو العبوس في وجه اللاعب والتجهم، والتهديد والوعيد بإشهار البطاقات الملونة يمكن أن يمنحه صك قوة الشخصية، ويفرض حضوره على المشهد، والأمر ليس كذلك أبدا، فربما ابتسامة حتى لو كانت مكلفة تمتص جماح هذا اللاعب الهائج، وهناك خيارات أخرى نعتقد بإمكان الحكم أن يتسلح بها للوصول بالمباراة إلى ساحل الأمان بدلا من صب الزيت على النار.

مشاركة :