نبّأتْ الدراسات والنتائج عن انحدار مستوى القراءة لدى القارئ العربي بحيث لا يتعدى ما يقرأه في السنة ربع كتاب، وهذا مخيف جدًا مقارنة بالنسب العالية للقارئ الأمريكي أو الأوربي أو الياباني تحديدًا. لذا نحن بحاجة إلى انتفاضة سريعة ورفيعة المستوى يطلقها كبار المؤثرين والقيادين والوزراء والعمداء والكتاب والمؤلفين والمثقفين والأهالي، في مبادرة شعارها «إنها خمس صفحات فحسب!» إذ عليهم أن ينزلوا للشارع في مسيرة عظيمة مهيبة – كما فعل وزير الثقافة في فرنسا ومن معه – وأن يفتحوا أبواب مكتبات الأحياء الصدئة والمكتبات العامة المهجورة أو محدودة الفاعلية، وأن يجوبوا الساحات والحدائق والمقاهي في كل مكان، وأن يقرأوا على مرأى الناس كافّة والأطفال خاصة، لأن قراءة الطفل في سنواته الأولى ستحدد علاقته بالكتاب مدى حياته فهي ستصبح جزءًا من كيانه – كما ذكر المختصون – فقراءته ستنشط خلايا الدماغ لتعمل بجودة عالية مشَكّلةً مستوى فهمه وإدراكه وتركيزه وقدرته على التحليل والتفكير المنطقي، وستعمل على تأسيس قيمه وسلوكه وعلاقته بأسرته والأشياء، وسَتُكّون له رصيدًا من الخبرات والتجارب التي يستفيد منها مستقبلًا في بناء هويته العامّة والثقافيّة، نضيف لذلك اكتسابه فصاحةً في لسانه، وبلاغةً في أسلوبه، وقدرةً على معرفة ميله وشغفه. إنّ من شأن إطلاق هذه المبادرة تكوين عادة قرائية تراكمية تساعد القارئ على التخلص من كسله وتراخيه إزاء القراءة، بل ستعمل على ضخّ مخزونه الثقافي كمّا وكيفا. تتلخص هذه العادة في قراءة خمس صفحات فقط كحدٍّ أدنى في اليوم الواحد في أي جزء من أجزائه، فاليوم طويل ولا يستهان ببركة ساعاته ودقائقه وثوانيه. وعليه كلما آنس فتورًا أو مللًا أن يحفّز ويحدّث نفسه قائلا: إنها خمس صفحات فحسب – تمثلًا لقانون الخمس دقائق – وبحسبة رياضية بسيطة سيجد أنه يقرأ خلال أيام السنة الآتي: 336 × 5 = 1680 صفحة، بما يعادل قراءة 15 كتابًا، وفي عشر سنوات سيتم قراءة ما لا يقل عن 150 كتابًا من الحجم المتوسط. فائدة هذه المبادرة أنها ستلقي بظلالها ليس على القراءة فقط، بل ستعين النفس على محاربة الخمول والكسل وحب العمل والإنجاز، فكلما فترت همته عن أداء حصته اليومية، حدثته نفسه قائلة: «إنّها خمسُ صفحاتٍ فحسب!» كما أن من الانعكاسات الإيجابية لتلك القراءة المتيسرة: ترويض النفس الملولة واللعوبة على القراءة الممنهجة، والقدرة على إدارة الوقت وضبط النفس، وارتقاء العقل مع مستويات القراءة ما بين فهم وتحليل واستدلال واستطلاع ونقد واستنتاج، شيئًا فشيئًا، واعتياد جوّ المكتبات الصحي من أجل البحث والدراسة. إن القرّاء هم روافد ثقافة المجتمعات وشفاؤها من الجهل منذ القدم، وقد قيل: «من لا يقرأ من الجهل لا يبرأ»، ولأن قراءة الخمس صفحات تمر سريعًا، فإنّنا يمكن أن نعيد أمجاد أمة «اقرأ» من خلال تطبيق هذه القاعدة.
مشاركة :