كُتَّاب الأعمدة بين ثرثرة الواقع وصمت النخبة!

  • 4/22/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يقول «سبينوزا»: إن القانون في الأشياء هو ذاته القانون في الأفكار، ربما نستطيع استعمال هذه القاعدة الفلسفية على ما يفعله المثقف الذي ينعم بزاوية يومية في إحدى الصحف، فنجد نهمه الباذخ في محاولة الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من القراء يجعله في حالة تخمة غير صحية تفقده اللياقة الفكرية المطلوبة منه كمثقف تقع على عاتقه مسؤوليات ينتظرها منه مجتمعه ووطنه، حينما نطلق على أحدهم لقب مثقف أو كاتب يتبادر إلى الأذهان بداهة تصورات تضفي عليه هالة تجذبنا للتلهف أو الانتباه -على الأقل- لما سينتجه لنا، بيد أن هذه الهالة للأسف تتلاشى وتحل محلها خيبة أمل غالبًا إذا عرفنا أنه كاتب يومي. ذلك أننا نجد الكثير من هؤلاء الكتاب يعتبرون القراء ضمنًا مجرد سلع مادية، تزيد من مستوياتهم الجماهيرية، فتخرج لنا مجموعة أفكار مستهلكة أو تصفية حسابات مع خصوم أيديولوجيين أو مواقف مبتذلة أو طُرف باردة في قوالب تُسمى –زورًا- مقالات، يشعرك هؤلاء الكتاب أنهم مجرد باعة يعرضون للأطفال الأطعمة الضارة بهم لكنها في الوقت نفسه جذابة ومغرية وذلك من أجل المال وفقط المال، لابد لنا أن نتأسى فعلًا على دور المثقف الحقيقي الملهم الذي يحاول دائمًا أن يجاهد الإبداع من خلال ما يقدمه، ذاك الذي يكتب لبناء ذاته أولًا، من يشعر بالمسؤولية الثقافية والأخلاقية بالدرجة الأولى تجاه ما يكتب، من يحاول أن يكون صديقًا للقارئ، أكثر من كونه مهرجًا يبحث عن امتاعه، الصديق الذي نأمن معه بوائق الحياة ونصارع معه همومها ومشكلاتها ونتحاور مع مفرداته وتفتح لنا أفكاره أبوابًا لعوالم أخرى مغيبة عنا. المثقف الحقيقي، باختصار من نجد لديه المعادلة الآتية «تسليط الضوء على خلل فكري معين أو اجتماعي أو ثقافي…إلخ + معلومة صادقة + محاولة إعطاء القارئ مساحة للتفكير» ويغلف هذه المعادلة بأسلوب مثير يقتل لدينا روتين الواقع الذي نهرب منه، وربما لا نحتاج كمية كبيرة من الجرأة إن قلنا إن الكاتب الذي نتحدث عنه نادر الوجود في محيط الكتّاب العرب، لأننا نجد الكاتب العربي عمومًا -والسعودي على وجه الخصوص- غالبًا ما يجد نفسه ضمن خيار لا إرادي وسلس بين أغلال الصحيفة وسجن النخبوي. المعركة التي تخوضها الصحف الورقية مع الشبكة العنكبوتية بكل عتادها وجنودها تلقي بظلالها –بلاشك­- على استراتيجيات الصحف ونوعية ما تقدمه، أصبح ما يطلبه الجمهور أولى مما يتطلب، وما يفرضه أولى مما هو مفترض، لذا على الكاتب الذي يشكل جزءًا من الصحيفة أن يراعي تغير الاستراتيجيات ويقدم ما يُراد منه بطريقة أو بأخرى، بينما يقف النخبوي الذي يعشق النقد التجريدي الثقافي متصلبًا إلى متطلبات الفكر متناسيًا الواقع المهيمن، ويخل بوظيفته في إرشاد المثقف المحتار، هنا يضطر كاتبنا النجم إلى الثرثرة.

مشاركة :