للحرب وجه آخر

  • 6/30/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن يوم الأحد الموافق للتاسع والعشرين من شهر شوال يوما اعتياديا، كان يوما زاهيا، مشرقا، بديعا، فقد عادت الحياة لجميع مناطق السعودية دون استثناء، وخرج كثير من الناس لكي ينعموا بالحرية والتنزه وقضاء أوقات مبهجة، وإلى هذا الحد لا ضير في ذلك، إن حرص هؤلاء على الاحترازات التي أوصت بها وزارة الصحة وأكدت عليها مرارا وتكرارا. ماذا لو لم يحترز الأغلبية؟ وماذا يعني ذلك؟ يعني مزيدا من المرضى، كل هذه الزيادات تعني اختلاطا أكبر واحتمالية في الإصابة أعلى للممارسين الصحيين الذين هم خط الدفاع الأول خلال معركة كورونا. دعوني أرافقكم في جولة سريعة للعناية الحرجة، التي تشبه ساحة المعركة، نعم هي نزاع مسلح تبادلي بين الطاقم الطبي من جهة وبين الفايروس الشرس من جهة أخرى. سأبدأ حديثي من غرفة تبديل الملابس وقت بدء المناوبة، حيث نتسلح جميعا بارتداء الملابس العازلة وأقنعة ذات مُرَشِّح عالي الجودة للوقاية من الإصابة، ولكن بعد مرور بضع ساعات، من المُمكِن أيضا لهذه الأدوات المُحكمة المانعة للتَّسَرُّب أن تجعل من عملية التَّنَفُّس أمرا في غاية الصعوبة، أما إذا لم يكن أي من هذه الأقنعة مناسبا لك -كما حدث معي- فإن أقنعة تنقية الهواء المزودة بالطاقة التي تقوم على تنقية الهواء وإعادة ضخه في جهاز يشبه الخوذة قد تكون مناسبة لك، لذا سترافقك تلك الخوذة طيلة المناوبة، هذا ليس كل شيء. حسنا إلى الممر المؤدي لقسم المرضى، صوت قياس نبض القلب الرتيب هو أول ما يتبادر إلى سمعك، يحذرك أن مريضا ما ليس على ما يرام، تبدأ في مراقبة الشاشة تحسبا لأي طارئ أو أي اضطراب في نبضات القلب أو تغيير في أرقام مقياس ضغط الدم. هناك ممرضتان، إحداهما تشير إلى الورقة أمامها وكأنها تشير إلى خطة عسكرية تتطلب الكثير من الدقة ولا تحتمل الخطأ، نقارع الحياة بضحكة، أو مزحة مسروقة، أو تعليق عابر، بينما نقوم بتحضير الأدوية لكي نحمي أنفسنا من الآثار النفسية، التي ينبغي الالتفات لها، كما أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق صاحب القرار في كل منشأة صحية، خلال هذه الفترة تحديدا، فيما يخص المحافظة على الكوادر الطبية من الاحتراق الوظيفي الذي يؤدي للقلق والاكتئاب والأمراض العضوية الناتجة عن الضغط النفسي، كقرحة المعدة وفقدان الشهية العصبي. نحارب من أجلكم، فالتزموا بالتعليمات، ولمن يقول هذا واجبكم سأتبرع له براتبي لمدة شهر كامل على أن يقوم برعاية مريض مصاب بـ«كوفيد 19» في العناية الحرجة لمدة اثنتي عشرة ساعة. لا نريد هتافات ولا نياشين حرب كل ما نريده أن تبقوا بعيدين عن الإصابة، بأخذ الحيطة حتى نعود لمنازلنا وعوائلنا سالمين.

مشاركة :