يسمِّي السعوديون الجهةَ التي تتولى شؤون كل مدينة في بلادهم أمانةً، ومن مهماتها نظافة الشوارع ورصفها وإنارتها، ونظافة المرافق العامة، والإشراف على المحلات التجارية، ومتابعة تقديمها للخدمات وتطبيقها للاشتراطات، ومنح تراخيص البناء ومنح الأراضي، وغير ذلك من المهمات، وقد كانوا يسمّونها بلدية مثل أغلب دُول العالم، فلنرَ إن كان لها من اسمها الجديد نَصيب. يقول عددٌ من العمالة: إن بعض موظفي البلدية في كثيرٍ من المدن السعودية، يطالبونهم بمبالغ مالية من أجل غضّ الطرْفِ عن التجاوزات والمخالفات التي يجدونها أثناء جولاتهم التفقدية والتفتيشية. ورأيت ذات صباح عاملَ بوفيه يرمي بكل ما في يده من ساندوتشات وملاعق وسكاكين، ويفِرّ خارجا من المحل أمام زبائنه، متّجها إلى سيارةِ البلدية التي وقفت للتوّ أمام البوفيه بها شابّان متكئان، ولم يكتَفِ هذا العامل بتقديم الشاي والساندوتشات لهذين الشابين، بل ذهب قبل ذلك للمحل المجاور لشراء علبة سجائر لأحد الشابّين، والأغرب من ذلك كلّه أنه لم يأخذ ريالا واحدا، وكل ذلك أمام زبائنه، ما يجعل من يشاهد هذا الحدث يستذكر المقولة الشهيرة: إذا لم تستَحِ فاصنعْ ما شئت. سيارات الأمانة تنتشر في أرجاء المدينة بشكلٍ مهول، بعضها يوحي بالإهمال المتأصل، متسخةً يكاد من يراها أنْ يجزم أنّ سائقها لا يجد قوت يومه، ربما لإحساسه بأن راتبه ضعيفٌ حين يقارنه برواتب الموظفين في القطاعات الأخرى. يأتي العمالة الراجلون يحمل كلّ منهم موتور رشّ، فيطلب خمسة ريالات أو عشرة كي يعقم داخل المنزل، ويحتج بأن مسؤولياته لا تتجاوز السور الخارجي، وهو في صورةٍ تدعوك للشفقة، ملابس رثّةٌ، ووجهٌ كئيب يوحي لك بالمجاعة. أما في باب منح الأراضي فالحديث طويلٌ وذو شجون، فقد كان كبار الموظفين يشترون أرقام معاملات المنح من المواطنين بثمنٍ بخس بعد أن ملُّوا وكلُّوا وحفيَت أقدامهم من التردد والمراجعة بلا جدوى، ثم بعد أيامٍ قليلة ترى قطعة الأرض في مكان مرغوب ذي أسعارٍ خيالية، والمواطن ينظر بحسرةٍ لأرضه التي كانت ستكون ملجأ له ولأسرته. أجزم أنه لم يعد جُلُّ هذه الممارسات موجودا في عهدنا الحاضر، ولكن من كانوا يمارسونها ما زال عدد كبير منهم على رأس العمل، حتى وإن كبحت القيادة الحالية جماحهم، لكنهم ما زالوا يشكّلون خطرا وتجب محاسبتهم ومراقبتهم كي لا يعودوا لما كانوا عليه. التفاتة: ماذا لو أصبحنا على قرار يستحدث ما يسمى بوزارة الطرق ويضمها لوزارة الشؤون البلدية والقروية، كي لا ترمي إحداهما مسؤولياتها على الأخرى، كما يحدث حاليا ما بين أمانات المدن ووزارة المياه عند تسرّب المياه الجوفية إلى منازل المواطنين والتهرب من الاضطلاع بالمسؤولية ليصبح المواطن ضحية إهمالهما وتقاعسهما؟ وقفة: المشروعات المتعثرة في بعض أحياء المدن فوق أنها تضعف جودة الحياة -التي أكدت عليها رؤية السعودية 2030- نراها تسيء للمظهر العام وترسم صورةً زائفة عن وطننا الذي طموحه عنان السماء، كما جاء على لسان ولي عهده الفذّ، وتهدر طاقات شبابه الطامح للعلا.
مشاركة :