يشكل الاختلاف المذهبي انقسامًا في الهوية الدينية، ويؤدي بدوره إلى تفشي التعصب الديني في الأوساط المتدينة، وهذا واقع لا يمكن إنكاره أو الانفلات من جدليته. ذلك أن هذا الاختلاف على مستوى المذاهب، هو اختلاف في أصول الدين وفروعه، وبالتالي خلق ما يمكن أن يقسّم الدين من ناحية اجتهاد العلماء من جميع المذاهب في بعض المسائل الفقهية، وقدح كل فئة مذهبية بالأخرى على أساس أنها هي الأقرب لحكم الدين، أو ربما هي الأشمل، ولا يحق لأي مذهب آخر أن يتعالى على هذا القول أو ذاك. ومن هنا ينشأ التعصب الديني من خلال التنازع في مسائل دينية فقهية كانت أو عقدية أو فكرية أو تاريخية بين المذاهب، هذا التنازع يتفاقم مع مرور الوقت ليصبح جزءًا من فتنة كبيرة تلقي بظلالها على الأجيال القادمة، وأعني بالأجيال أولئك الذين يلبسون عباءة التدين خصوصًا ومدى خطورة ذلك على فكرهم وعقيدتهم. في بعض الدول العربية، لبنان على سبيل المثال، هناك ثمة توافق مذهبي وطائفي، وهذا لا يمكن إلا إذا تحققت الديمقراطية التي تنطلق من أن جميع أفراد المجتمع متساوون، يجمعهم الانتماء الواحد للدين ولا يفرقهم مذهب أو طائفة، أضف إلى ذلك كمية الوعي التي يجب أن يختزنها عقل الفرد العربي، فكلما امتلك ذلك الفرد الوعي بأهمية الدين كونه دعوة تتضمن التعايش وإرساء مبادئ السلام بين أفراد المجتمع جميعهم، قدم صورة حقيقية تتصدى لكل تداعيات الاختلاف في المذهب. إن مظاهر التعصب الديني من أخطر أنواع التعصب، ومن هنا يأتي دور الدولة في القضاء على فتيل هذا التعصب وإطفائه، فالدولة التي تتيح لجماعات الدين فيها أن تسرح بأقوالها وأفعالها، فالناتج سيكون وخيمًا على مؤسسات الدولة وعليها لابد لها أن تساوي تلك الجماعات في بينها بعبارة «إن الدين لله، والوطن للجميع»، فالآثار المتوقعة من ذلك الاختلاف بين المذاهب إضافة إلى أنه سيشكل تعصبًا فيما بينها، فإنه سيؤدي إلى تصعيد آخر يمس الدين والسياسة بتبعات لا يحمد عقباها.
مشاركة :