لا بد أن يزدهر أثر القرار التعليمي بتدريس الفلسفة في مناهجنا نقاش يثمر وعياً متسقاً مع فكرة الفلسفة . قد يبدو غريباً للبعض جعل الفلسفة حالة مدرسية، أو أن تكون تتويجاً لصراع التيارات فهذا يضعنا أمام إشكال في الوعي. كانت الكلمات الأولى في الإسلام قراءتين، قراءة تتعلق بقدرة الله المطلقة في الكون وقراءة تتعلق بالقلم حيث التفهم العلمي الحضاري وكرم التسخير في تكوين الظواهر الكونية ذات المعنى بالنسبة للإنسان . الكونُ قراءتان في قراءة واحدة هي الوعي المحمدي الذي افتتح الجدال مع مرحلة أخلد فيها الإنسان للحركة المادية في واقعها الموضوعي فكان لا بد من وعي جديد يعلو على المعجزات الحسية ويفتح آفاقاً تتعالى على الوضعية التي قادت الإنسان للجدل الذاتي وانتهت إلى العبثية ولا انتماء، وقادته لجدل الطبيعة الجبري الأحادي . القراءتان الربانية والإنسانية تخلقان في نفس الإنسان التوازن بين “الطغيان” حين يعطل القراءة الأولى وبين “العجز” حين يعطل القراءة الثانية . هذا المفهوم الأساسي والذي يمكن أن يعالج المسائل الوجودية للبشرية ويفسر الوعي الذي قاد صعود الأمة الإسلامية حضارياً في تاريخها يصطدم مع الهزيمة النفسية المعاصرة والتي قادها التفوق الغربي الحضاري انطلاقاً من العلم والذي لم تكن المشكلة فيه ولا في تطبيقاته فهي أسس حيوية لبناء الحضارة بل المشكلة دائماً في الارتداد بالنتائج التطبيقية على نحو فلسفي لتكريس الذات البشرية وإخضاعها للمجال الطبيعي الضيق والانحراف بها عن دلالاتها الكونية . لقد سقط التأويل الفلسفي للعلم كمنهاج في قيادة حياة البشرية حيث ينتهي بالضرورة إلى لاهوت الأرض في شكله التحليلي الماركسي، فالحقائق العلمية – على نسبيتها التاريخية – لا تعطي حال تماسكها إلا المنهج الجدلي المادي كما صاغته الماركسية . إن النهايات الفلسفية للتجارب البشرية وتحت تأثير الهزيمة النفسية تورث الانفصام والحيرة عند القوى الاجتماعية الحديثة وأثر هذا لا يخفى . يمكن التعامل – مدرسياً – مع الفلسفة كتجربة تاريخية وبعقل ناقد شريطة توفر مناخ الحرية من جهة والاتكاء على تصور للوجود ورؤية للعالم من خلال منهج الإسلام من جهة أخرى . ملاحظة: فكرة المقالة بتصرف من كتاب منهجية القرآن . رأي طارق العرادي t.alarady@saudiopinion.org
مشاركة :