الجشعون يتكاثرون وقت الأزمات كنبات الفطر، يحاولون اقتناص الفرص والحالات، لهذا نراهم في كل أزمة وضائقة حاضرين ومستعدين ومتأهبين، لا يراعون حاجة، وليس عندهم ضمير حي ولا وطنية ولا ذمة. عند الجشعين شره واضح، وطمع بائن، في الاستحواذ على كل شيء وأي شيء، ولديهم في هذا الشأن حيل وخطط، وأفكار شيطانية، والتواءات كثيرة، ولا يهتمون بالآخرين. حمقى يخلطون الحابل بالنابل، ولهم تبريرات غاية في السوء والمنهج، ويجيدون سرد المسوغات والأعذار، يقدمون مصالحهم الشخصية الضيقة على المصلحة العامة، ينساقون وراء عواطفهم، والإنصاف عندهم ضعيف وواهن. إن الجشع كله رديء وذميم، وهو مثل الأمراض الفتاكة كالسل والسرطان والطاعون، وفيه سواد كبير، وإن المجتمعات تعاني كثيرا من الجشعين تجار الأزمات، الذين لا أخلاق فرسان عندهم، وعندهم انحطاط وخيبة، وإصرار على الإضرار بالعباد والبلاد، لقد نزعت من قلوبهم الرحمة، حتى أصبحوا غلاظ قلوب، لا يحسنون سوى الاقتناص والامتصاص، لم تسلم منهم حتى الكمامات والقفازات وأطباق البيض ومواد التعقيم والبصل والجرجير. تجاوزا حدود العقل والمنطق بكثير، لا يملون ولا يكلون من الاستحواذ، ولا يشبعون حتى لو أصابتهم التخمة، لا يعرفون سقفا للتوازن والاعتدال، لهم من الغرائب المحمومة، والشهوات اللاهبة ما تتناسل وتتكاثر عبر الأيام، يرغبون في كسب ما يعجبهم مما يريده الآخرون، ويمقتون أن يروا الآخرين في بحبوحة ورخاء وسعادة وهناء، وهذا هو أبشع أنواع الخسة واللؤم، لهؤلاء سمات ومبالغات في الكسب والتربح اللامحدود، ونزواتهم ورغباتهم في هذا الشأن واسعة بلا حد. إنهم من عشاق المال وجمعه بأي صورة وطريقة وشكل، وكبش الفداء عندهم دائما، هم المستهلكون والباحثون عن المواد والسلع، هؤلاء مثل لصوص الليل، انحدروا إلى المستنقع الآسن، والعمل الآثم، فأعمالهم بعيدة كل البعد عن الخير والنزاهة، وهم من المنظور الوطني مفلسون بالكامل، خانوا ضمائرهم وباعوها في سوق النخاسة دون خجل ولا حياء. إن الذي لا يبالي بوطنه وأمته ومجتمعه، حتما لا يبالي بالعار والنار، والذي لا يخاف الله بالتأكيد يستهوي السحت الحرام، وإن الذين ينزلقون إلى ميادين الجشع، ويستغلون الأزمات، ويمارسون الغش والتدليس والإخفاء، لديهم خواء روحي وعقائدي وأخلاقي، قلوبهم مظلمة، ومصابيح أرواحهم مطفأة. وعلى المعنيين تفعيل عصا القانون الغليظة ضد هؤلاء وضربهم بها دون تردد أو هوادة، فالعلاج الجذري والسريع مع هؤلاء مطلوب بشكل عاجل، بعيدا عن علاج المهدئات والمسكنات وإعطاء الفرص، لأن الضمير الميت لا تنفع معه وسيلة الإسعاف والإنعاش، وهؤلاء ضمائرهم ميتة أصلا.
مشاركة :