تدور حياة الطيار المقاتل الأميركي في العراق وسوريا حاليًا حول فترات من الرتابة، ومهام قتالية يجري خلالها إلقاء أي قنابل حفاظًا على أرواح المدنيين، وفترات من الخوف - ما يجعلها بعيدة تمامًا عن الصورة التي رسمها فيلم «توب غن» الشهير الصادر عام 1986 ويعد إحدى أيقونات هوليوود، والذي جعل من توم كروز نجمًا، ومن الطيارين المقاتلين التابعين لسلاح البحرية أبطال أحلام الفتية المراهقين بكل مكان. أما هؤلاء المقاتلون الحقيقيون - الذين يعتبرون صفوة الصفوة، حيث تدربوا على الهبوط على متن حاملات طائرات متحركة والتزود بالوقود جوًا، وهما اثنتان من أصعب المهام بمجال الطيران - فيعتبرون من العناصر القتالية الرئيسية في الحرب التي تشنها أميركا ضد تنظيم داعش. وخلال العام الذي مر منذ بدء توجيه ضربات جوية ضد التنظيم، تحمل الطيارون الأميركيون الجزء الأكبر من عبء جهود الحرب. ومنذ أغسطس (آب) 2014. نفذوا أكثر من 4700 ضربة جوية - 87 في المائة من إجمالي الضربات الجوية بطائرات بها طيارون نفذها التحالف الذي تقوده واشنطن ضد «داعش» - وقدموا دعمًا جويًا لقوات الأمن العراقية ومقاتلي البيشمركة الأكراد على الأرض. من ناحيتهم، ربما يملك مقاتلو «داعش» صواريخ محمولة كتفًا تعرف باسم أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، لكن في الوقت الراهن لا يبدو التنظيم الإرهابي قادرًا على إسقاط طائرات أميركية مقاتلة. جدير بالذكر أن طائرة أردنية سقطت في سوريا في ديسمبر (كانون الأول)، ما أدى لأسر الطيار الخاص بها وقتله حرقًا من جانب «داعش». ويسود اعتقاد بأن سقوط الطائرة كان بسبب خلل فني بالطائرة أو خطأ من جانب الطيار، وليس بسبب إسقاط «داعش» الطائرة. في هذا الصدد، قال ميجور أنتوني بورك، الطيار المقاتل السابق لدى قوات البحرية: «بصراحة، تسيطر القوات الأميركية الجوية والبحرية والمارينز على السماء»، واستطرد بأنه «إذا بقيت فوق ارتفاع 10.000 قدم، لن تتعرض لإصابة». من ناحية أخرى، غالبًا ما يتمركز مقاتلو «داعش» في العراق وسوريا داخل مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة، ما يحد من قدرة الحرب الجوية ويقصرها على أهداف صغيرة نائية، مثل شاحنات تسير بمفردها أو مخازن أسلحة. ورغم الإجراءات الاحترازية التي يؤكد الطيارون تمسكهم بها، يسقط ضحايا مدنيون جراء الضربات الجوية، وإن كانت التقديرات بهذا الشأن متضاربة للغاية. من جهتهم، ذكر مسؤولون بالقيادة المركزية الأميركية مؤخرًا، والتي تتولى الإشراف على العمليات العسكرية الأميركية بالشرق الأوسط، أنهم تلقوا بلاغات حول 31 حادثًا سقط خلالها ضحايا مدنيون منذ بدء الضربات الجوية. وقد رفضوا 17 منها باعتبارها غير جديرة بالاعتماد عليها، بينما ما يزال التحقيق جاريًا في ستة بلاغات أخرى. وقد جرى التحقيق بشأن أحد البلاغات لمدة ستة شهور، وخلص منه مسؤولو القيادة المركزية إلى أن الغارة الجوية ربما تسببت في مقتل طفلين. في المقابل، ترى جماعات أخرى مراقبة أن الإحصاءات الصادرة عن القيادة المركزية تقلل بشكل صارخ من الأرقام الحقيقية للضحايا. من جانبه، أكد كابتن بنجامين هيوليت، 46 عامًا، أن «الرأي العام العالمي يميل ضدك بشدة عندما تبدأ في قتل الأشخاص الخطأ»، مضيفًا أنه في خضم الحرب ضد «داعش»، تصيب القنابل طول الوقت تقريبًا أهدافها المقصودة. وأوضح أن جزءا كبيرا من السبب وراء ذلك عدم توافر قوات برية أميركية على الأرض. وأضاف: «لذا، لا نشعر بالحاجة للتسرع في إطلاق النار. في الظروف الطبيعية يسيطر عليك شعور بأن جنودك يتعرضون لهجوم، لذلك يجب أن تسارع بالتدخل. إلا أن المسارعة بإطلاق قنابل يتسبب في إصابة أبرياء». من ناحية أخرى، يقضي الطيارون والضباط المسؤولون عن إطلاق الأسلحة ساعات طويلة من الطيران في دراسة أنماط الحياة المدنية على الأرض لتحديد ما إذا كانت شاحنة تتحرك على طريق خارج الرمادي، على سبيل المثال، هي سيارة مكدسة بالأسلحة تخص «داعش» أم أنها مكدسة بمدنيين. ويبحث الطيارون خلال طلعاتهم الجوية عن مقاتلين أو مدفعية أو أي مؤشرات أخرى على وجود العدو. وكثيرًا ما يعودون إلى قواعدهم من دون إطلاق أي من القنابل التي بحوزتهم. ورغم ما سبق، لا تخلو حياة الجنود من بعض صور الترفيه، حيث يرتادون مقاهي. ويرتدي الكثير من الجنود ساعات «بريتلينغ»، ويسارعون للحصول على مقتنيات أخرى فاخرة. كما ابتكر الجنود ألعابًا رياضية تتوافق مع الحياة على متن حاملة الطائرات، مثل لعبة أطلقوا عليها «كرود» تمثل مزيجًا من البلياردو والروكبي. يذكر أن جميع الجنود المرابطين على حاملة الطائرة من الرجال، فيما عدا جندية واحدة فقط. ويحرص الجميع على الاستيقاظ مع بزوغ نور الفجر.
مشاركة :