هُبوط الذَائقة!

  • 2/5/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أزعم بأن الطفرة الإعلامية المهولة التي أحدثتها قنوات “التسطيح” و”التهريج” وأعني بها بعض القنوات الفضائية الشعبية, ساهمت وبقدر كبير وربما مخيف في هبوط الذائقة وانحدار صريح في نخبوية الأداء الإعلامي المنضبط والواعي و اتجهت بنا نحو ثقافة الاحتقان في القيمة والمحتوى, مما أفضى إلى مخرجات مشينة لا ترتقي ومواكبة التحديث والتطوير الذي ننشده ونتمناه بالاتجاه نحو ساحات الاكتشاف والاختراع والإبداع. تلك المخرجات لا يمكن وصفها بغير فجة وصادمة, تعلوها الفوضى في استهداف المحتوى والنتائج, وطغى عليها الإغراق في التسويق لمناسبات خاصة وهامشية والترويج لأشخاص وأسماء يتنفس – جلها – المبالغة في المديح والتطبيل والتسويف, وأخرى ركض وهرولة صوب المهرجانات الخالية من الاحترافية في الترتيب والتنظيم والانضباط! كل هذا وغيره من محتوى فضائي – إعلامي – مفتوح حافل بالمتابعات والمشاهدات, لم ينجح في اكتشاف المناطق البكر والمكتظة بالجمال والخيال والدهشة ولم يفلح في التعريج على استنطاق الأمكنة التاريخية والتراثية التي يتمدد تنوعها وعبقها في كل اتجاهات الوطن, ولم يعيد لذاكرة المتلقي البعد الحقيقي لمواطن العمق الثقافي والمجتمعي الذي ينساب عبيرهُ بين الجبل والصحراء والتل والوادي ولم يستحضر التباين الواسع في القيم والعادات والتقاليد والأعراف التي تحملها هذه المساحات الضاربة في عمق التاريخ والحياة ولم تأخذ الأجيال الموهوبة نصيبها بالظهور في برامج المسابقات والانطباعات والأمنيات والشراكة في نقد الظواهر والانحرافات والتجاوزات. إن على الجهات المعنية عن هذا التدفق الفضائي “السطحي” والخارج عن النصوص والاتزان مسؤوليات كبرى في المحاكمة الفنية وضبط المنفلت والمتجاوز  وفرملته بالعمل على إنشاء دائرة إعلامية متخصصة تعنى برسم الخطى والثوابت والقوانين التي تسمح لمثل تلك القنوات بالخروج للناس الذين أصبحوا أكثر تأهيلاً وادراكاً ومعرفة بمحاذير وخطورة التعامل مع هذا العالم الفضائي الذي لا يحتمل “الفهلوة” و التلاعب بعطش الجمهور ورغبتهم في متابعة المُغيب من إرثهم  وتراثهم الذي يحتاج بحقٍ إلى منهج ورقابة وعناية كونه يمثل – في النهاية – فكر ورسالة, تدفع ثمنها ثقافة الأوطان وهوية الشعوب. رأي : علي العكاسي a.alakassi@saudiopinion.org

مشاركة :