صَحبتُ الأكاديميين من النقاد زمن، ومنذ فارقتهم ولا تكاد تتم لي جملةً أنطقها دون أن أحشر فيها “أقصد الجملة” بسبب وبغير سبب، ألفاظاً مثل: “قلق الهوية”، و”أزمة المصطلح” و “سؤال المنهج” و ” شكالية التجنيس”! صرت مولعاً بابتكار صيغ من القول تشبه عناوين الأصدقاء الأكاديميين نحو “تمتين الهامش وتهميش المتن” أو “شعرنة السرد وسردنة الشعر”، و”السردنة” هنا على وزن “قردنة” وأفكر جدياً أن أنجز بحثاً في “جماليات القردنة” يكون عنوانه “قردنة الجميل وتجميل المقرود”. وتمادى بي الحال حتى أنني نزلت ذات يوم ضيفاً عند أحد الأقارب، وعثرت بعتبة بابه عثرة شنيعة، فكان هو يسمي الله، وكنت أردد في نفسي “خطاب العتبات” فلما ركض نحونا أبناؤه مرحبين قلت: هذا من جماليات “التلقي”. ووقفت صباح يوم ببائع كبدة يخلط بالكبدة أخلاطاً من كل شيء، فلما استشارني أن يمزج بالكبدة جبناً زجرته ونهيته عن ذلك تورعاً أن أكون بذلك مخالفاً لميثاق إعداد الكبدة كما عند “فيليب لوجون”، فنقع بذلك في “فوضى المصطلح” و”سقوط التخوم” بين “ساندوتش جبنتين” و”كبدة القريات”! ومن صحب النقاد عامة والأكاديميين منهم على وجه الخصوص، عرف أن أزمات الدنيا تنبع من عندهم وتؤول إليهم، وكل شيء عندهم مشروع أزمة، وخذ مثلا من عناوينهم: أزمة المصطلح، أزمة الهوية، أزمة السؤال، أزمة الجنس -الجنس الادبي- وكلهم بين مأزوم ومأزومة، ولو أنني رزقت صلاحاً وقيامَ ليلٍ لجعلت لهم في قنوتي نصيباً وقلت في الدعاء لهم: اللهم فك أزماتهم وأزماتهن! وما زال ذلك حالي وأنا “أخطر” على الأرض حتى علت بنا يوماً طائرة سفر وكنت أظن أني أفارق لوثة أيامي الماضية، حتى رأيت سربا من المضيفات الاسيويات يخطرن بين مقاعدنا كالظباء متامثلات في كل شيء فقلت: هذا أجمل “التناص”، وجعلت أغالب النفس في النظر إلى تثنيهن وما يظهر مما يخفين، ولحظتها فقط عرفت مراد اللئيم “كمال أبو ديب” من عنوانه الشهير “جدلية الخفاء والتجلي”! رأي : محمد الراشدي m.alrashedi@saudiopinion.org
مشاركة :