يفترض بعضُ المثقفين أن انتقاص المؤسسة الثقافية الرسمية، وترصدها، ومحاولة نسف جهودها، جزءٌ من إكسسوار المثقف، وعدته وعاداته، وصنيعه الذي يظل عاكفًا عليه، مصطحبًا سخطه وتنمره في كل حال، بغض النظر إن كانت المؤسسة الثقافية تحسن أو تسيء، فهو الساخط في كل أحواله، ﻷن ذلك – في نظره – هو اﻷسلوب الذي يفصح به عن ذاته، باعتباره مثقفًا نخبويًا ومختلفًا. وأضرب هاهنا مثالًا، وأحسب أنني من خلال هذا المثال أدون كلمة حق، ومشاهدات شاهد عيان يهمه في اتساع اللغط أن يقول: تعالوا إلى كلمة سواء. كنت في معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته اﻷخيرة من الشاهدين، وممن وقفوا بصدق لا أتوخى به إلا الإنصاف، على حقيقة أن «الوزارة» استحقت في تجربة الأيام العشرة التي هي عمر المعرض، شكر المثقف وامتنانه، والتخلي عن «عنجهيات» نكرانه الفارغة. فعلى مدار أيام المعرض شكلت الدعوات التي وجهتها وزارة الثقافة جسرًا من الود أتى بشرائح واسعة من مثقفي البلاد، ومن سائر جهات الخارطة؛ ضيوفًا على المعرض، في أجواء من الحفاوة وسخاء الاهتمام ورقي التعامل تكفلت فيها «الوزارة» بأدق تفاصيل الإقامة والمعيشة والتنقلات، في تجربة أحسبها لا تتكرر في مناسبات مشابهة. ورغم ذلك فلم يكد المعرض ينهي أيامه حتى ابتدأت حفلة السباب، وبتهم تتخطى موضوعية النقد الذي يتوخى الاستدراك والاقتراح ومحاولة الارتقاء بالتجربة في مواسمها القادمة، إلى ما يشبه تصفية الحسابات والتشكيك الذي ينسف الجهد كله، ومعه اﻵمال أن ننعم بمناسبات ثقافية مطمئنة، لا يعكر صفوها ما اعتدناه من لغو وصخب تنوعت بواعثه وصار أسوأ ما يميز مناسباتنا الثقافية. ولست هنا في مقام استعراض ما قيل أو كتب، ولا مناقشة تفاصيله، لكن إنصاف الحق يقتضي أن أقول: إن «الوزارة» في معرض الكتاب قدمت تجربة تستحق الشكر، وعاملت المثقف برقي ينبغي أن يكون متبادلًا، وهذا لا يستثني أن ثمة ما يستحق المراجعة في أكثر من جانب، إلا أن تلك المراجعة يمكن أن تتم بأشكال أكثر وعيًا وحضارية من عشوائية تراشق التهم التي يجيدها باقتدار مثقفون من فئة «لعبوني وإلا أخرب عليكم»، ولا مزيد على ما تقدم إلا أن معرض الكتاب عرس ثقافي بهيج، وقد آن لنا أن ننعم بـ«أعراس آمنة» .
مشاركة :