قيس سعيد يوسع الخلاف مع البرلمان رافضا خرق الدستور والحوار مع "اللصوص" تونس - أرسل الرئيس التونسي قيس سعيد رسالة قوية إلى البرلمان والحزام السياسي المهيمن عليه مفادها أنه لن يقبل بالمحكمة الدستورية ولا بالحوار الوطني في صيغته الحالية، موجها نقدا لاذعا لبعض الأطراف، دون أن يذكرهم بالاسم، ووصفهم بـ”اللصوص” و”اللوبيات”. وقال الرئيس التونسي إن البرلمان تجاوز المهلة الزمنية لتشكيل المحكمة الدستورية وإنه غير مستعد لخرق الدستور مثله، في أوضح إشارة على أنه قد يرفض الموافقة على المحكمة في حال تشكيلها، في خطوة يتوقع أن تزيد من تعقيد الأزمة السياسية. وكان قيس سعيد قد أعلن رفضه الإمضاء على التعديلات التي أدخلها البرلمان على قانون المحكمة الدستورية المتعلقة بالآجال الدستورية بسبب تجاوز الآجال القانونية، وذلك في رسالة وجهها إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي، أثارت الكثير من الجدل سواء ما تعلق بشكلها أو بأسلوبها. وفي خطاب بمدينة المنستير بمناسبة ذكرى وفاة الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس، قال سعيد “القوانين أصبحت توضع على المقاس، كاللباس وكالحذاء ولن أقبل بوضع قوانين على مقاس الحكام. لن أقبل بمحكمة لتصفية الحسابات. بعد أكثر من خمس سنوات وبعد سبات عميق وبعد نفاق وبعد شقاق، تذكروا المحكمة الدستورية الآن”. وأضاف “هم خارج الآجال. ومن يمني نفسه بأن أخرق الدستور مثله فهو واهم يبحث عن السراب”. ويفترض أن تكون المحكمة الدستورية، التي كان ينبغي انتخاب أعضائها بعد عام من صياغة دستور 2014، هي الجهة المخولة للنظر في النزاع الدستوري بين مؤسسات الدولة. ويعتقد مراقبون أن قيس سعيد قد أحبط خطط الحزام البرلماني للحكومة، الذي يخطط لتمرير المحكمة الدستورية وتوظيفها في مواجهته مع مؤسسة الرئاسة بشأن تأويل النصوص وخاصة دفع الرئيس إلى التخلي عن أسلوبه في تعطيل الخطوات الحكومية وبينها تمرير التعديل الحكومي الأخير والسماح بالقسم أمامه. ويشير هؤلاء إلى أن الرئيس سعيد، رغم المؤاخذات التي توجه له بشأن تعطيل بناء المحكمة الدستورية، ينظر إلى ما هو أبعد، وهو منع تشكيل محكمة على مقاس بعض الأحزاب النافذة تكون ساحة للتوظيف السياسي بدل محكمة ذات مصداقية وتكون مرجعا لحل الخلافات، لافتين إلى أن رئيس الجمهورية يعرف سر استعجال إرساء محكمة دستورية حاليا وهو تحويلها إلى ورقة للضغط عليه. وبحسب الدستور الصادر عام 2014 كان يفترض الانتهاء من إنشاء المحكمة في أجل عام من تاريخ الانتخابات التشريعية التي أجريت في نفس العام، لكن تأخر إنشاؤها لسنوات بسبب الفشل في انتخاب ثلث أعضائها من قبل البرلمان، إذ لم يحصل إلا مرشح واحد من بين الأربعة على أغلبية الثلثين. ويسعى البرلمان لتخفيض الأغلبية المطلوبة لتزكية مرشحي المحكمة من أغلبية الثلثين إلى أغلبية ثلاثة أخماس، وهو ما ضمنه في مشروع لتعديل قانون المحكمة. ولكن الرئيس رد القانون إلى البرلمان لاعتراضه على خرق الآجال المحددة في الدستور. وفي حوار مع إذاعة المنستير المحلية تساءل الرئيس سعيد عن مفهوم الحوار الوطني، مشيرا إلى أن البعض لا يعرف معنى الوطنية. وقال إنه مستعد للحوار حول المشاكل الحقيقية للتونسيين مثل المسكن والصحة والضمان الاجتماعي، لكنه ليس مستعدا للحوار مع من وصفهم بـ”اللصوص” ومن “سرقوا وسطوا”، ولا مع اللوبيات، ما اعتبره مراقبون إشارة واضحة إلى أن الحوار لا يمكن أن يتم إلا وفق رؤية رئيس الجمهورية وليس وفق رؤية الحوار الوطني المطروحة حاليا والتي تضع من ضمن محاورها مناقشة سبل الخروج من الأزمة السياسية الحالية ومن بينها تعديل القانون الانتخابي وإرساء المحكمة الدستورية. ومن شأن هذا التصريح أن يعيد البرود إلى علاقة رئيس الجمهورية مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتحمس لإنجاح مبادرته بشأن الحوار الوطني وأعلن أكثر من مرة أن الرئيس سعيد قد قبل بأن يتم الحوار تحت مظلة مؤسسة الرئاسة. لكن متابعين يعتقدون أن موقف مؤسسة الرئاسة واضح بشأن رفض الحوار مع أطراف الحزام البرلماني للحكومة، وأن ما يقصده بالحوار هو البحث عن حلول عملية للخروج من الأزمة، وليس حوارا لإدامتها بتعويم الخلافات وبناء “توافق مغشوش”. وجدد الرئيس سعيد هجومه على من وصفهم بـ”بعض القوى” و”الأطراف”، وقال “تنقصهم الشجاعة والنزاهة” وإنه يعلم جيدا ما يخططون وسيحبط أعمالهم، كاشفا عن أنه يعلم الكثير من التجاوزات وسيأتي الوقت الذي يتحدث فيه عن الكثير من المسائل. وفي مقابل ذلك قال الرئيس التونسي في حواره مع الإذاعة المحلية إن الحل ممكن إذا صدقت النوايا، كاشفا عن أن لديه مشاريع جاهزة لتقديمها في شكل مبادرات من بينها مبادرات حول الصلح الجزائي والمجلس الأعلى للتربية ومؤسسة وفاء للشهداء. ورغم الانتقال السياسي الهادئ في تونس عقب ثورة 2011 والذي تمخض عن انتخابات حرة فشل السياسيون منذ 2014 في انتخاب محكمة دستورية تفصل في النزاعات الدستورية بالبلاد بسبب الخلافات الأيديولوجية وعدم الاتفاق على مرشحين يحظون بدعم واسع. وإلى جانب أزمة مالية غير مسبوقة مع عجز مالي تجاوز 11 في المئة، تشهد تونس أيضا أزمة سياسية حادة بين الرئيس سعيد ورئيس الوزراء هشام المشيشي. واشتد الصراع حين رفض سعيد تعديلا وزاريا اقترحه المشيشي وشمل إقالة وزراء مقربين من الرئيس من بينهم وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين. ويحظى المشيشي بدعم الغنوشي الذي قال إن سعيد يعطل الآلة الدستورية برفضه المصادقة على التعديل وهو اختصاص حصري لرئيس الحكومة.
مشاركة :