القاهرة: خالد محمود واصل سكان في العاصمة الليبية طرابلس ضغوطهم الشعبية لإجبار الميليشيات المسلحة على الخروج من المدينة، واحتشد آلاف المتظاهرين من أهالي طرابلس أمس في الجمعة الثانية على التوالي، للمطالبة بخروج كل التشكيلات المسلحة من العاصمة. لكن الخلافات السياسية سرعان ما طغت على أجواء المظاهرة، حيث طالبت عناصر محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين بإقالة الحكومة الانتقالية التي يترأسها علي زيدان وحملوها مسؤولية التدهور الأمني في البلاد، بينما فشل متظاهرون آخرون في تنظيم وقفة مماثلة ضد «الإخوان» والمفتي المحسوب عليهم. وانتشر آلاف الجنود من قوات الشرطة والجيش في كل ضواحي العاصمة لتأمينها وللحيلولة دون تكرار اندلاع المواجهات الدامية بين المتظاهرين ورجال الميليشيات الذين استبقوا هذه المظاهرة بالإعلان عن الانسحاب من مقراتهم وتسليمها إلى الحكومة ووزارة الدفاع. ويري مراقبون أنه «رغم تطمينات حكومة زيدان، فإن بعض المواطنين تساورهم الشكوك في أن عناصر الجيش هي في الأساس تابعة لبعض الجماعات الإسلامية التي اضطرت تحت الضغط الشعبي إلى التخلي مؤقتا عن هيمنتها التقليدية على الوضع الأمني والعسكري في العاصمة طرابلس». وخلت المظاهرات أمس من أي مظاهر عنف، وأكد متظاهرون وسكان محليون في المدينة لـ«الشرق الأوسط» أنهم لم يرصدوا خلافا لما هو متوقع، أي مظاهر لصدامات مسلحة أو اشتباكات. وحلقت طائرات تابعة لسلاح الجو الليبي فوق سماء المدينة في إشارة قوية إلى دعم الجيش لمطالب المتظاهرين، الذين احتشدوا عقب صلاة الجمعة بميدان القدس بطرابلس، للمطالبة بالتطبيق الفوري والعاجل لقراري المؤتمر الوطني العام (البرلمان) رقم 27 و53 والقاضي بإخلاء العاصمة من كل التشكيلات المسلحة دون استثناء. ورفع المتظاهرون صور القتلى واللافتات والشعارات التي تؤكد ضرورة القصاص من الجناة، فيما أكد السادات البدري رئيس المجلس المحلي لطرابلس أن العاصمة هي عاصمة كل الليبيين، وأنه من حق أبناء الوطن العيش فيها بأمن وسلام. وطالب البدري، في كلمة ألقاها في المظاهرة، سكان طرابلس بالتسامح والعمل جميعا من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون، داعيا الأهالي إلى الاستمرار في حراكهم وتظاهرهم السلمي حتى خروج آخر تشكيل مسلح. وحث العقيد محمد السويسي مدير أمن طرابلس المواطنين على التعاون مع رجال الشرطة والجيش الوطني المنتشرين في كل ربوع العاصمة، لتحقيق الاستقرار والأمن داخل المدينة. وسلمت فرق الإسناد الثانية والعاشرة والرابعة عشرة التابعة للجنة الأمنية العليا مقارها إلى مديرية الأمن الوطني في العاصمة. وكانت عدة ميليشيات بينها مجموعتان من الزنتان (غرب) قد أعلنت خروجها أول من أمس من طرابلس في مراسم بحضور السلطات بعد أسبوع على المواجهات الدامية، التي أوقعت نحو 50 قتيلا. وسلم عناصر لواء القعقاع المتحدر من الزنتان السلطات الموقع الذي كانوا يحتلونه وغادروا طرابلس مع أسلحتهم وآلياتهم بينها دبابات، كما أعلنت كتيبة الصواعق المتحدرة التي تعد من أكثر الكتائب تسليحا وانضباطا في طرابلس، خروجها أيضا من مقار جمعية الدعوة الإسلامية التي كانت تحتلها منذ دخول الثوار السابقين إلى طرابلس في أغسطس (آب) عام 2011.. ما أدى إلى سقوط العاصمة في أيدي معارضي العقيد الراحل معمر القذافي. وأعلنت السلطات الليبية أخيرا خطة تنص في مرحلة أولى على انسحاب الميليشيات من العاصمة قبل نزع أسلحتها ودمج عناصرها في الأجهزة الأمنية. والتحق عناصر عدد من الميليشيات بوزارتي الدفاع والداخلية، إلا أنهم يفتقدون الانضباط ويأتمرون في الدرجة الأولى بأوامر زعماء مدنهم أو عشائرهم. وأصبحت المصاعب التي تكتنف جهود ليبيا للسيطرة على الميليشيات والمسلحين الإسلاميين مبعث قلق متزايد للقوى الغربية التي تخشى امتداد العنف إلى دول شمال أفريقيا الأخرى. وكان علي زيدان نفسه قد اختطف لفترة وجيزة على أيدي ميليشيا الشهر الماضي. ويقول مراقبون إن الميليشيات أيضا تمثل تحديا خارج العاصمة، حيث يسيطر مقاتلون سابقون منذ شهور على موانئ في شرق البلاد رغم تعيينهم لحراسة المواقع النفطية وعطلوا الصادرات في احتجاجات تطالب بحكم ذاتي للمنطقة. وازداد استياء الليبيين من فصائل المقاتلين السابقين الذين ظلوا على ولائهم لقادتهم في صراعات ونزاعات داخلية حتى بعد أن أدرجتهم الحكومة ضمن قوائم العاملين في مجال الأمن في طرابلس. من جهة أخرى، اغتال مجهولون مساء أول من أمس فوزي الزوكي سكرتير مجلس الأعيان والحكماء والمشايخ بمدينة درنة عقب خروجه من صلاة العشاء، وقال شهود عيان إن «الجناة أطلقوا الرصاص عليه من سلاح مزود بكاتم صوت». إلى ذلك، أعلن بشير صالح المدير السابق لمكتب القذافي واللاجئ في جنوب أفريقيا، في مقابلة صحافية أمس، استعداده للمثول أمام القضاء الفرنسي للرد على الاتهامات بتمويل ليبي لحملة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2007، وقال إن «هذه الوثيقة كذبة كبيرة.. لا يتطابق الشكل أبدا مع ما اعتدناه». كما جدد صالح الذي فر من ليبيا بعد سقوط القذافي، التأكيد على أن الوثيقة التي نشرت على موقع «ميديابارت» الإخباري بين الدورتين الانتخابيتين عام 2012 حول تمويل مفترض لحملة انتخابات ساركوزي عام 2007 وهي «كذبة كبرى». وأضاف: «لم أرفض أبدا الرد على أسئلة القضاء.. لم يطلب مني أي شيء»، موضحا أنه «في حال جاء قاض إلى هنا كي يطرح علي أسئلة فسوف أستقبله.. سأقول له إن كل هذه القضية قد اختلقت وسيكون عليه أن يحدد السبب». ونشر الموقع الإخباري «ميديابارت» العام الماضي وثيقة نسبها إلى موسى كوسى، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الخارجية في ليبيا، والفار من ليبيا حاليا، أكد فيها أن طرابلس وافقت على تمويل «حتى 50 مليون يورو» الحملة التي أدت إلى انتخاب نيكولا ساركوزي. وأوضح الموقع أن مصدر الوثيقة هو صالح الذي كان رئيسا للصندوق الليبي للاستثمارات الأفريقية. ويشار إلى أن صالح الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف من طرابلس سلمتها للإنتربول، كان لا يزال موجودا في فرنسا عندما نشر المقال في موقع «ميديابارت»، ولكنه تمكن من الفرار في ظروف ملتبسة. ويجري القاضيان الفرنسيان سيرج تورنير ورينه غرومان تحقيقات حول اتهامات بتمويل سري من خلال الوسيط زياد تقي الدين خصوصا 500 ألف يورو تلقاها الأمين العام السابق للرئاسة الفرنسية كلود غيان.
مشاركة :