لم تنس أم محمد نومها مع أطفالها الأربعة في إحدى الحدائق العامة شرق طريق الحرمين في جدة، لعدم توفر مسكن لديهم، والبعوض يواصل لدغاته لابنها محمد ويترك ندوبا وبقعا في جلده بسبب نقص المناعة التي يعاني منها لإصابته بسرطان الدم. وقالت: «كنت أضم وجهه الجميل إلى صدري، وعلى الرغم من الألم الذي كان يعانيه، إلا أنه كان يبتسم، ويحاول أن يخفف عني، ويشعرني برضاه التام بقضاء الله وقدره، مات ولدي وارتاح من هذه الدنيا وأنا لا أزال أعاني». روت أم محمد معاناتها والدموع تنهمر من عينيها بغزارة، والعبرات تخنقها، مبينة أن اللحظات الأكثر ألما في حياتها حين يموت ابنها بين يديها وهي لا تستطيع أن تقدم له شيئا. وألمحت أم محمد القادمة مع أسرتها من الجنوب، إلى أنها تزوجت وهي في سن صغير، وأنجبت ثلاثة أبناء وفتاة، موضحة أن زوجها استدان كثيرا لينفق عليهم، إلا أنه عجز عن سداد مبلغ 270 ألف ريال، فأودع في السجن، فوجدت أم محمد نفسها كفيلة بأطفالها، ولم يكن لديها أي دخل سوى 100 ريال تتبقى من راتب زوجها الذي يعمل في القطاع الحكومي. وأشارت إلى أنها عجزت عن توفير الطعام والشراب والسكن لأطفالها، فاضطرت إلى العودة إلى والدتها في الجنوب والسكن معها في شقتها الصغيرة، مؤكدة أن الجمعيات الخيرية رفضت مساعدتها لأنها ليست أرملة أو يتيمة. وبينت أن معاناتها تفاقمت حين عانى ولدها الثالث من ارتفاع في درجة الحرارة، فراجعت به مستشفى حكوميا وتبين أنه مصاب بسرطان الدم «لوكيميا»، فوفروا له سريرا في مدينة الملك عبد لله الطبية في مكة المكرمة، ورافقت ابنها في سيارة إسعاف ومكثت معه في مكة نحو ثلاثة أشهر، ثم جرى تحويلها إلى المستشفى التخصصي في جدة بهدف زراعة نخاع من شقيقته، وحين حددوا لها موعدا بعيدا اضطرت للعودة إلى والدتها في الجنوب. وأفادت بأنها بعد مدة من الزمن تلقت اتصالا من المستشفى في جدة حول توفر سرير لابنها، مبينة أنها وصلت إلى جدة ولم تكن تملك سوى 500 ريال، إلا أنها اصطدمت بأن السرير حجز لمريض آخر، وطلبوا من الانتظار، موضحة أنها اضطرت أن تقضي الليل مع صغارها في حديقة عامة على طريق الحرمين، لعدم قدرتها على السكن في شقة مفروشة. وأوضحت أنها لم تحتمل النوم في الحديقة العامة، خصوصا أن الباعوض كثف من لدغاته على ابنها حتى تدهورت صحته، فذهبت إلى المستشفى وشكت لهم معاناتها وعدم قدرتها على توفير سكن لابنها المريض، لافتة إلى أنه بعد أن خضع محمد للعملية بأسبوع أبلغها الأطباء بأن ابنها لم يتقبل النخاع، وكان وضعه سيئا جدا بسبب التأخير ولم يعد أمامها سوى انتظار اليوم الذي سيموت فيه. وأضافت: «خرج زوجي من السجن بكفالة، بسبب وضع ابنه، وساعده على ذلك أهل الخير، كما تم توفير منزل مؤقت بسيط جدا لنا يفتقر إلى غالبية مقومات الحياة، ولكن الحمد لله على كل حال، توفي ابني، ولم يعد أمامي سوى تربية من تبقى من أبنائي الذين يحصلون على أعلى الدرجات الدراسية رغم ما تعرضوا له من آلام وظروف قاسية»، متمنية أن يوفر مسكن صغير لأبنائها، حتى تطمئن عليهم قبل أن تموت، وتسديد ديون زوجها الذين يهدده السجن من حين آخر.
مشاركة :