أنطلق في كتابة هذه المقالة من الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي، الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أنه «تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تُشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف». إنّ خطاب الكراهية الذي نشأ في كثير من المجتمعات الحديثة، منشأه تلك العبارات التي تأخذ من العنف والعداوة والتمييز شكلًا من أشكال ذلك الخطاب الذي نجح في فترة ما، نتيجة لقوته وترسيخه مفاهيم الإساءة في عقول كثير من الأفراد، على اعتبار أن هذا الخطاب هو السائد في مجتمعات تنقصها حرية الرأي، إضافة إلى فسح المجال له وإعطائه المساحة التي يستطيع من خلاله النيل من خصومه وعدم مواجهتهم بالحوار. في المجتمعات العربية انتشر هذا الخطاب كثيرًا، وكان منشأه التيار الديني المتشدد، وأخص بذلك لما كان عليه في زمن الصحوة، حينما غفلت عنه كثير من المؤسسات السياسية والاجتماعية والرقابية، فظهر جليًا على أرض خصبة مهيأة مع استغلال عقول الناس في المجتمعات البسيطة في خطب الجمعة وفي القنوات التلفزيونية الإسلامية وإصدار الكتيبات التي توزع في المساجد والمخيمات، فأصبح هذا الخطاب لا تحكمه قوانين الدولة بقدر ما يتحكم فيه أفراد محسوبون على التيار الديني، كون هذا الخطاب متشددًا ويتعارض مع القيم الإسلامية التي جاء بها الإسلام، إنه خطاب مفعم بالكراهية والطائفية والعنف. هذا الخطاب تضاءل وتراجع كثيرًا، إن لم يكن قد اختفى من الأوساط الاجتماعية والدينية، نتيجة لسن قوانين مكافحة هذا الخطاب في كثير من الدول العربية والإسلامية، وهذا مرده لعلو كعب الخطاب السياسي واستبدال ذلك الخطاب بالتعبير عن الرأي بكل حرية، ذلك أن خطاب الكراهية ليس مبنيًا على القيم وأخلاقيات الحوار، بل هو خطابٌ مبنيٌ على الكره والانتقام والتحريض بأي شكل من الأشكال، وهذا بدوره يضعف أي دولة كانت ويشتت رؤيتها ويمنعها من تحقيق طموحاتها.
مشاركة :