غالبًا ما تعتمد البشرية في تنشئة وتربية أبنائها على بعدين أساسين، هما: الصواب والخطأ، بكل ما تحمله هذه الأبعاد من منطلقات أخلاقية ودينية واجتماعية وأعراف وتقاليد… إلخ. فمن خلال هذه المنطلقات تتشكل أبعاد واضحة لما هو مقبول ولما هو غير مقبول في مجتمع ما، ويتم نقله وإعادة تدويره من جيل إلى آخر عبر الزمن. في المجتمعات العربية هناك بعد تربوي ثالث هو «رأي الناس» و«كلام الناس» و«لا تفشلنا قدام الناس»… إلخ. بُعد ثالث يتداخل مع الصواب والخطأ فيربكهما ويلغي القطعية التي يتشكلان منها، فنرتبك نحن معهم، فتسقط الثوابت التربوية بشكل يكاد يكون كاملًا، فنصبح كنشء لا هم لنا سوى إرضاء الناس وتجنب نقدهم وتكسّب مديحهم، كلام الناس ورأيهم فينا يصبح هو أبعاد الصواب والخطأ، وهو حدود النجاح والفشل بالنسبة لنا. وبعد مرحلة معينة من المعرفة والسن والتجربة سنجد بأن المشكلة الحقيقية ليست فيما يقوله الناس عنّا ولا في أن يصمنا أحد بالسلب أو الإيجاب، بالخطأ أو الصح، بالفشل أو النجاح، فقد تجاوزنا هذه المرحلة بعد أن يسقط في يدنا إلى ما هو بعدها، المشكلة هي في رؤيتنا لأنفسنا ومدى تقييمنا لها. المشكلة الأكبر أننا لا ندرك هذه الحقيقة إلا بعد أن نكون خسرنا أجمل سنوات عمرنا، خسرناها في محاولاتنا البائسة لإرضاء الناس على حساب أنفسنا، لندرك في وقت متأخر جدًا بأن الناس هم بعبع متخيّل لا يدري عنّا، بعبع صنعته لنا تربيتنا المربكة وغذيناه نحن بخيالنا، بعبع لا وجود حقيقي له، ولا وجود لنا نحن في ذهنه، بعبع سرق حياتنا وتوارى ببساطة.
مشاركة :