سألتني ابنتي الصغيرة ذات الستة أعوام، عن إمكانية فتح عينيها داخل الماء، فقلت لها: إنها لابد أن تجرب ذلك، وبما أنها مندفعة ولديها من الفضول للمعرفة كبقية الأطفال، ما يدفعني للخوف بمبالغة شديدة عليها، فربما أكون قد منعت عنها فكرة أو حذرتها من مغامرة كان يجب أن تخوض غمارها وتكتشفها بنفسها، لكنه خوف الوالدين. وفي كل يوم أُقرر أن أتركها تواجه الحياة بمفردها بتوجيهات طفيفة مني، وكنت أظنني نجحت، إلى أن قالت لي: أريد أن أصبح فراشة، فقلت لها مغازلة: أنتِ فراشة في الأصل، فقالت أنا كل يوم أجرب الطيران من سريري إلى الأرض، أمسكتُ غصة تحذير في فمي، وقلت لها: هل ستطيرين؟، قالت: نعم، ولكن هل يجب أن أراكِ تطيرين قبلي أم سأطير أنا قبلكِ؟. صفعتني بدهاء هذه الطفلة حين وجهت لي تساؤلا يخص القيادة الأبوية أم التحرر منها! ولطالما كنت أتعامل معها على أنها لا تستوعب الكثير ولن تفهم كل ما نفعله إلا في حينه، ونسيت أنه ربما حان الوقت وأنا مازلت أستصغرها، ونسيت أيضًا أن الأطفال أذكياء أكثر منا، لكننا لا نؤمن بذلك. رومانسية هذا الخيال عند الأطفال تتنامى بصفاء تام، رغم ما نضعه أمامهم من عثرات الخوف ومبررات العمر، لكن حين نعود قليلًا إلى الوراء سنجد أن غالبية عباقرة العالم نشأت لديهم أفكار خيالية منذ طفولتهم وتساؤلات جوهرية، ربما في حينها لم تكن ذات معنى، لكنها الآن تثبت أن الخيال يصبح حقيقة كلما تقادمت الايام وأنجزت التجارب صحتها. ولن أنسى أيضًا أن طفولتي وطفولة كل شخص شاهد أفلامًا خيالية، كانت كلها تدور حول حقيقة وجود كائنات فضائية وعن حياة المريخ الطوباوية، والآن يتسابق علماء الفضاء – الذين في الأصل يحملون أفكارًا خيالية – لإثبات حقيقة أن هناك بشرًا غيرنا في عالم آخر وبأشكال مختلفة، وربما يفكرون بنا كما نفكر بهم الآن، وربما أثبتوها، لكن الأخبار هذه لا تخص أُناسًا يحملون أفكارًا واقعية متصلبة مثلنا. الأطفال حتما يصدقونها، لأنهم لم يستسلموا بعد.
مشاركة :