يطرح قريبا في تونس ملف المحكمة الدستورية في مجلس نواب الشعب، والتي تأخر إرساؤها لسنوات عدة (6 سنوات)، ويعبر ذلك عن استمرارا الأزمة السياسية الحادة وتنازع الرئاسات الثلاث الحالية (الجمهورية والحكومة والبرلمان)، التي امتد أثرها إلى مؤسسات الدولة التي تعطلت دواليبها وفق سياسيين، وسط تفش خطير لمرض كوفيد ـ19 وتدهور للوضع الاقتصادي والاجتماعي. وتستمر الأزمة السياسية والاقتصادية بين داع للحوار الوطني، وداع إلى رحيل منظومة 2019 بإعادة تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، تفرز برلمانا بقوى ظاهرة، تنبثق منها حكومة قوية. لماذا الآن؟ لقد نص دستور 27 يناير 2014 على إرساء المحكمة الدستورية في أجل اقصاه سنة بعد الانتخابات التشريعية، لكن ذلك لم يتم، ولم ينجح السياسيون في التوصل الى اتفاق رغم عقد 8 اجتماعات في 2018 ولأن رئيس الجمهورية قيس سعيد رفض القبول بالتحوير الحكومي لشهر يناير الماضي (وما يليه من أداء 11 وزير القسم أمامه)، على خلفية شبهات فساد يتهم بها بعضهم، لم يجد رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي من حل لتكريس سلطتيهما سوى السعي لتنحية سعيد، وقد أضحيا متاكدين أن ذلك لن يكون إلا بواسطة المحكمة الدستورية، التي ستكون مكونة من 12 عضوا (ينتخب كل من مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية أربعة). "من خرق الدستور لا يجرني إلى خرقه" وينتقد رئيس الجمهورية قيس سعيد ما يجري في أروقة مجلس نواب الشعب من نزاعات بين الكتل المتعددة، بعد أن تخلى عن صفه رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي راح يبحث عن دعم لحزامه السياسي في البرلمان، بدعم من حزب النهضة الذي يرأس زعيمها راشد الغنوشي مجلس نواب الشعب. ولا يعارض رئيس الجمهورية إرساء المحكمة، ولكنه ينتقد عدم إرسائها في آجالها. وقال سعيد في خطاب توجه به إلى الشعب التونسي قبل يوم أمس من مدينة المنستير، بمناسبة الذكرى 21 لوفاة الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية: "إن كل طرف سياسي يحاول أن يضع الموالين له من الأعضاء في المحكمة"، ملقيا باللوم على بقية ممثلي السلط قائلا عنهم إنهم يريدون وضع القوانين على القياس، وإنهم بعد نفاق دام خمس سنوات تذكروا الآن ضرورة إرساء المحكمة الدستورية، لأنهم استشعروا الخطر اليوم، متسائلا: "هل ستكون بالفعل محكمة، أم محكمة لتصفية الحسابات الدستورية؟". ويتحدث الرئيس التونسي باستمرار عن المتآمرين والمناوئين لمصلحة البلاد ولكنه لا يسميهم بالاسم، ويرى أنه من حق الشعب التونسي أن يضع نظاما سياسيا جديدا يمكنه من الآليات القانونية، التي تمكن من تحقيق مطالبه الاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن له تحقيق الشغل والكرامة. "خلفيات للاستيلاء على المحكمة" ويرى استاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أن سعي كتل سياسية في البرلمان إلى إرساء المحكمة الدستورية الآن ليس بريئا، إذ أن هناك خلفيات للاستيلاء على المحكمة، لقطع الطريق تماما ونهائيا أمام إرساء دولة القانون"، وفق ما قاله يوم الثلاثاء خلال مشاركته في ملتقى علمي يخص المحكمة الدستورية، نظمته الجمعية التونسية للمحامين الشبان. ويتحدث الأستاذ محفوظ عن عدم توفر مبادئ تركيز المحكمة ،المتمثلة في الاستقلالية الإدارية والمالية والاحترام الشديد لمعيار الكفاءة، قائلا بما يفيد الاستغراب: "إنه هناك شخصيات صاحبة كفائه لها صيت دولي تم ترشيحها، ولكن لم يتم التصويت لها خلال دورات البرلمان الكثيرة لانتخاب أعضاء المحكمة". أما أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار فيدعو من ناحيته إلى "الابتعاد عن التسييس المفرط لملف المحكمة الدستورية"، محذرا من خطر الانزلاق إلى الاضرار بالدستور وبسيادة القانون للدولة، كما يدعو إلى "حل أزمة المحكمة الدستورية، لأن الخلاف لم يعد قانونيا فحسب". "هؤلاء لن يداويهم إلا الشعب" وفي الوقت الذي توجه في الاتحاد العام التونسي للشغل للدعوة إلى حوار وطني، قبل به رئيس الجمهورية وربما يكون وافق الاتحاد للتمهيد إليه بحسب برلمانيين، فإن عديد السياسين من بقية الكتل البرلمانية لا يريدون تكرار التجربة باسم الحوار، لأنها تجربة انتهت في الماضي بتقاسم السلطة بين المتحاورين، ليتناسوا فيما بعد الوعود التي قطعوها للناخبين، وليس أدل على ذلك تحالف حزب النداء مع النهضة في انتخابات 2014، والذي أدى إلى النزاع ثم تفتت الحزب الأول من المشهد السياسي فيما بعد. خفر السواحل التونسي ينتشل جثتين وينقذ 157 مهاجرا صراع بين رأسي السلطة في تونس مع اشتداد أزمة الوباء إقالة مديرة الخطوط التونسية إثر خلاف مع الاتحاد التونسي للشغل وتتسم المرحلة الحالية "بالتناحر والتآمر" بين السياسيين المتقاسمين للحكم، بحسب حديث القيادي في حزب العمال حمة الهمامي للقناة الوطنية الأولى قبل يومين، قائلا عنهم "إن هدف كل منهم هو إقصاء الآخر أو تهميشه أو الاستفراد بالحكم. في الأثناء وكلما ذهب في أذهان التونسيين أن الحل اقترب، إلا وتحتد الخصومة"، بينما يعاني المواطن التونسي غلاء المعيشة بأجر ادنى يقارب 130 يورو بدلا 600، ومتوسط أجر (بين القطاعين العام والخاص) أقل من 300 يورو، ونسبة فقر مرعبة تفوق 20 في المائة، ويضيف الهمامي قوله: "هؤلاء لن يداويهم إلا الشعب"، في إشارة إلى الهبة الشعبية السلمية، فيما تحدث المسؤول السياسي السابق عمر صحابو عن "مشروعية الإرادة الشعبية" السلمية، لتغيير الوضع القائم باعتبار أن تلك الإرادة تعلو على المشروعية الانتخابية، داعيا رئيس الجمهورية قيس سعيد، إلى أن يتحمل مسؤوليته في التغيير. على أبواب موجة ثالثة وتستمر هذه الأزمة السياسية والبلاد تجابه اقتراب موجة ثالثة لتفشي وباء كوفيدـ19، فرضت معها إجراءات مشددة تتعلق بتطبيق وسائل الحماية الفردية، ومنع التجمعات العامة والخاصة، وغلق الأسواق الأسبوعية وحظر الجولان في أنحاء البلاد، من السابعة مساء حتى الخامسة صباحا، وإجبارية الحجر الصحي الذاتي خمسة أيام للوافدين من الخارج، لمن ثبتت نتائج اختباراتهم الصحية بأنها سلبية. في الاثناء بلغت طاقة استيعاب غرف الإنعاش حدها الأقصى، وأضحت المستشفيات تعاني ضغطا كبيرا، وسط دعوات جمعيات إلى انعقاد مجلس الامن القومي، للنظر فيما يخص الحرب على كوفيدـ19، لكن في ظل برلمان مشتت وغياب حكومة متماسكة، ورئاسة تحذر المرة تلو الاخرى بان الوضع لا يحتمل، وأنها "لا تريد خرق الدستور".
مشاركة :