ارتفعت أسعار النفط الخام مجددا بفعل تقلص المخزونات النفطية في الولايات المتحدة بالتوازي مع استمرار الزيادة في توزيع لقاحات كورونا على المستوى العالمي، ما جدد الآمال في تعاف أسرع للطلب وتوقع تنامي الاقتصاد العالمي بوتيرة تفوق التقديرات السابقة. ويكبح المكاسب السعرية إعلان "أوبك+" زيادة في الإمدادات النفطية بنحو 500 ألف برميل يوميا بدءا من أيار (مايو) المقبل، إضافة إلى التفاؤل باحتمال نجاح المحادثات الأمريكية الإيرانية حول البرنامج النووي، وما قد يترتب عليها من زيادة في الإمدادات النفطية. ويقول لـ «الاقتصادية» مختصون ومحللون نفطيون، "إن (أوبك+) تستعد لزيادة الإنتاج الشهر المقبل وسط قراءة جيدة لتطورات السوق ولوضع الطلب العالمي، خاصة مع ارتفاع الاستهلاك المحلي في فصل الصيف، وتحديدا في دول (أوبك)، كما لمست المجموعة انخفاضا متوقعا في إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري على مدار العامين الجاري والمقبل". وذكر المختصون أن الصورة العامة للاقتصاد العالمي تتجه إلى التعافي، خاصة مع تميز وتيرة توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة ووجود مؤشرات على علاج الخلل بين العرض والطلب واستعادة التوازن المستهدف في سوق النفط. وفي سياق متصل، أوضحت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام سيسجل 11.04 مليون برميل يوميا هذا العام بانخفاض عن توقعات الشهر الماضي عند 11.15 مليون بعد تجميد عميق في شباط (فبراير) الماضي بسبب تعطل وإغلاق مؤقت في صناعة النفط في تكساس بسبب سوء أحوال الطقس، كما خفضت توقعات الإنتاج الأمريكي لعام 2022 بمقدار 100 ألف برميل يوميا. وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا "إن أسعار النفط الخام تتلقى دعما قويا من تراجع المخزونات النفطية بما يفوق التوقعات والتقديرات المسبقة، إضافة إلى الأجواء الإيجابية المصاحبة لتوزيع اللقاحات وخطط التحفيز المالي في الولايات المتحدة، بينما تواجه الأسعار ضغوطا عكسية من زيادة إنتاج مجموعة "أوبك+" والزيادات المستمرة في الإنتاج الليبي واحتمال عودة الإنتاج الإيراني في حال نجاح المحادثات الحالية مع الإدارة الأمريكية". وأوضح أن "أوبك+" تدرك جيدا أن زياداتها الإنتاجية وزيادات الدول المعفاة، خاصة ليبيا، لن تعيد السوق إلى وفرة المعروض بسبب بيانات تؤكد تعافي الطلب، خاصة في شهور الصيف مع ارتفاع الاستهلاك المحلي في دول الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن المجموعة تدرك جيدا أن الإنتاج الأمريكي لن يعود إلى حالة الوفرة السابقة والحفر الكثيف بعدما ركز المنتجون الأمريكيون أخيرا، خاصة في مجال النفط الصخري، على زيادة التدفق النقدي وتعزيز أرباح المستثمرين بدلا من إضافة الإنتاج. من جانبه، يقول أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات "إن (أوبك+) تتحرك بثقة شديدة نحو زيادة الإنتاج بعدما تأكدت من تعافي الطلب ومن صعوبة عودة منتجي الولايات المتحدة إلى مستويات الإنتاج السابقة التي وصلت في فترات سابقة - بسبب المنافسة على الحصص السوقية وتطور تكنولوجيا الحفر - إلى أكثر من 13 مليون برميل يوميا". وأشار إلى أن المنتجين في مجموعة أوبك وخارجها لم يتعاملوا بشكل انفعالي مع المكاسب السعرية المتلاحقة في الربع الأول من العام وتمهلوا انتظارا لحدوث توازن ولو نسبي في أساسيات السوق ويتحركون حاليا نحو زيادة الإنتاج في فترة أشهر الصيف بفضل ثقة متزايدة بالتعافي الاقتصادي وتوقعات باستمرار ارتفاع أسعار النفط. ويرى بيتر باخر المحلل الاقتصادي ومختص الشؤون القانونية للطاقة، أن التقدم في توزيع لقاحات كورونا وانتشارها على نطاق واسع وبوتيرة سريعة سيكون له مردود واسع على عودة الانتعاش والتعافي الاقتصادي على الرغم من الإغلاق المشدد حاليا في أوروبا، لافتا إلى أنه بفضل ظهور اللقاحات وبدء توزيعها في الأشهر الأربعة الماضية اكتسبت أسعار النفط الخام الأمريكية القياسية أكثر من 36 في المائة، من قيمتها. ونوه إلى أن الإنتاج الأمريكي عانى ضغوطا واسعة منذ نيسان (أبريل) الماضي حينما انزلقت الأسعار لأول مرة في تاريخ الصناعة إلى المنطقة السلبية، لكنه استعاد عافيته تدريجيا مع انتعاش الأسعار نتيجة قيود "أوبك+" التاريخية وتعافي الطلب، مشيرا إلى رصد زيادات نسبية في الإنتاج الأمريكي دون العودة إلى الوفرة الواسعة السابقة حيث ارتفعت أنشطة الحفر الأمريكية في الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى في عام، لكن لا يزال عدد منصات النفط يقف عند نحو نصف ما كان عليه عندما اندلع الوباء، وذلك بحسب بيانات شركة "بيكر هيوز" الدولية. بدورها، تقول الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة "إن (أوبك+) لديها رهانات قوية ومدروسة بشأن تعافي الطلب وهو ما دفعها في الاجتماع الأخير إلى تحويل المسار مجددا نحو تخفيف تخفيضات إنتاج المجموعة". ولفتت إلى أن الرؤية المستقبلية للاقتصاد العالمي حاليا في وضع إيجابي للغاية وأفضل من فترات سابقة وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى رفع توقعاته للناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 للمرة الثانية في ثلاثة أشهر بعدما رصد سرعة في عملية توزيع وطرح لقاحات كورونا على المستوى العالمي، خاصة في الولايات المتحدة التي أصبحت حاليا محور الانتعاش الاقتصادي العالمي ومحركه من خلال طرح سريع للقاح وإقرار تحفيز مالي كبير. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس، بفضل احتمال نمو اقتصادي عالمي أقوى في ظل زيادة في التطعيمات وتقرير يفيد بأن مخزونات الخام في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للوقود في العالم، تراجعت. لكن التفاؤل حيال المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الأخيرة وزيادة منتظرة في الإمدادات من منتجين كبار كبح المكاسب. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 16 سنتا أو ما يعادل 0.3 في المائة، إلى 62.90 دولار للبرميل بحلول الساعة 06:57 بتوقيت جرينتش بينما زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسليم شهر أيار (مايو) 14 سنتا، ما يوازي 0.2 في المائة، إلى 59.47 دولار. ودعمت الأسعار بيانات أمس الأول، التي أظهرت أن الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة زادت إلى أعلى مستوى في عامين في شباط (فبراير) وزادت عمليات التوظيف. وجاء ذلك عقب بيانات سابقة أظهرت تحسنا في قطاع الخدمات في كل من الصين والولايات المتحدة. كما تعززت الأسعار بفعل التفاؤل حيال توسع أكبر في حملات التطعيم بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، تقديم موعد إتاحة التطعيمات لجميع البالغين في الولايات المتحدة إلى 19 نيسان (أبريل). من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 61.33 دولار للبرميل، يوم الثلاثاء، مقابل 61.70 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق رابع تراجع له على التوالي، وإن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 63.37 دولار للبرميل".
مشاركة :