إرهاب اليمين المتطرف يطرق أبواب فرنسا بموازة التطرف الديني

  • 4/9/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

باريس - طلبت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب في فرنسا إحالة تسعة أعضاء من مجموعة يمينية متطرفة أطلقت على نفسها اسم منظمة الجيش السري يشتبه بتخطيطها للاعتداء على سياسيين أو مسلمين إلى المحكمة، وفق ما أعلن الجمعة مصدر قضائي. ويأتي هذا الإعلان بينما تركز فرنسا على ما تسميه "التطرف الإسلامي"، ما يكشف محدودية الرؤية الحكومية في معالجة التطرف بشقيه الديني والسياسي وهو ما دفع جهات حقوقية دولية لانتقاد قانون "مكافحة الأصولية الإسلامية" التي غيرت الحكومة الفرنسية تسميتها إلى "حماية مبادئ الجمهورية" بعد أن تعرضت لموجة تنديدات واتهامات بوسم المسلمين. ولم تكن قضية منظمة الجيش السرّي استثناء في سياقات تنامي حركات اليمين المتطرف في أوروبا عموما وفرنسا على وجه الدقة التي باتت تواجه تهديدات جدية من جماعات اليمين المتطرف. ويعود اتخاذ القرار النهائي بالنسبة لمنظمة الجيش السرّي في غضون شهر إلى قضاة التحقيق ويقبع رئيس المجموعة لوغان نيسين في السجن الاحترازي. وتجري منذ 2017 أربعة تحقيقات أخرى تتعلق بمكافحة الإرهاب على الأقل مرتبطة بتخطيط اليمين المتطرف لأعمال عنف. وطلبت النيابة في ما يتعلق بمنظمة الجيش السري محاكمة المشتبه بهم بتهمة "تكوين مجموعات إرهابية"، ستة أمام محكمة الجنايات والثلاثة الآخرين القاصرين خلال حدوث الوقائع أمام محكمة الأحداث. وجميع المشتبه بهم، باستثناء لوغان نيسين، أحرار حتى الآن تحت إشراف قضائي. قال إيريك بورليون محامي لوغان نيسين "لم أكن أنتظر سوى ذلك"، مشيرا إلى أن موكله في الحبس الاحتياطي بتهمة ارتكاب جرم منذ أربع سنوات وأن الإجراء القانوني جاء متأخرا. وتم حل المجموعة الصغيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بعد أشهر من توقيف نيسين الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 21 عاما. وأقر الناشط السابق في الحركة الملكية "حركة العمل الفرنسي" أمام المحققين بأنه أسس مجموعة صغيرة تحت اسم منظمة الجيش السري ويستعيد هذا الاسم اسم مجموعة حملت الاسم نفسه كانت تناهض استقلال الجزائر عن فرنسا إبان الستينات. وتهدف المجموعة إلى "إعادة المهاجرين على أساس الترهيب". وكانت هذه المجموعة تنوي الاعتداء على زعيم "فرنسا المتمردة" جان لوك ميلانشون وعلى كريستوف كاستانيه سكرتير الدولة للعلاقات مع البرلمان. كما ورد ذكر الاعتداءات على مطاعم لبيع الكباب في مرسيليا و"موقع بناء مسجد فيترول الكبير". وقلل نيسين أمام المحققين من أهمية هذه التهديدات مؤكدا أن المجموعة تخلت عن هذه المشاريع لافتقارها إلى "القدرات" لتنفيذها. وأشار إلى أنه كان يريد إثارة "ضجة" في الأوساط القومية وحصد إشارة "إعجاب" من خلال المنظمة والصفحة التي يديرها على موقع فيسبوك لتمجيد الإرهابي اليميني المتطرف النروجي أندرس برينغ بريفيك الذي قتل 77 شخصا في يوليو/تموز 2011. والتفتت السلطات الفرنسية بشكل متأخر لعنف اليمين المتطرف ومخططات إرهابية كان ينوي شنها على نطاق واسع بينما كانت منشغلة في ملاحقة ما تسميه "التطرف الإسلامي" على إثر اعتداءات إرهابية دموية تعرضت لها على مدى السنوات القليلة الماضية حين قتلت مجموعة من المتطرفين موالية لتنظيم الدولة الإسلامية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 المئات في هجمات متزامنة ومنسقة في القضية التي باتت تعرف بخلية باريس. لكن على الرغم من أن الاهتمام كان منصبا على التطرف الديني وتحديدا "الاسلامي"، فككت الشرطة الفرنسية أخطر شبكة كان يمكن أن تحول مناطق في فرنسا إلى حمام دم. ويعمل المحققون منذ أشهر على تحديد المسار الدقيق لترسانة من الأسلحة التي قد يكون أعيد بيعها لمهربي مخدرات ومناصرين لليمين المتطرف بعد تفكيك شبكة كبرى في يناير/كانون الثاني الماضي لتهريب أسلحة في فرنسا تشمل مشتبها بهم من العسكريين. ووجهت إلى عشرة مشتبه بهم اعتقلوا خلال حملة توقيفات في ضواحي باريس وفي جنوب وشرق فرنسا وهم رجال تتراوح أعمارهم بين 25 و57 عاما، تهمة "اقتناء وحيازة ونقل أسلحة من الفئتين ألف وباء (أسلحة حربية ومسدسات) والانتماء إلى عصابة أشرار". وهذه الشبكة المفترضة تضم عسكريين اثنين يبلغان 31 عاما، أحدهما يعمل في وزارة الدفاع الفرنسية والثاني في قاعدة بشرق البلاد، إلى جانب عسكريين سابقين وهواة جمع أسلحة. وبعضهم يشتبه في صلاته بـ"تيار اليمين المتطرف"، بحسب الادعاء. وقالت ممثلة النيابة العامة قبل أشهر قليلة خلال جلسة استماع أمام قاضي الحريات والتوقيف إنه "ملف واسع" يتعلق "بمخزون استثنائي من الأسلحة والذخائر التي تم ضبطها". وقد أمر القاضي بوضع خمسة أشخاص قيد الحجز الاحتياطي. وتم سجن أربعة مشتبه بهم آخرين في انتظار المثول أمام قاضي الحريات والتوقيف فيما تم الإفراج عن رجل عاشر يبلغ من العمر 25 عاما ووضع تحت الإشراف القضائي. وكتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية حينها أنه "تم ضبط عدة أطنان من الأسلحة والذخائر ومخبأ أسلحة خلال مداهمات". وذكرت شبكة التلفزيون "تي اف1" أن بعض المشتبه بهم كانوا يشترون من أفراد من هواة جمع الأسلحة القديمة، بنادق هجومية ومسدسات آلية ورشاشات معطلة. وأضافت أن "هذه الترسانة كان يتم إعادة تفعيلها وتسليحها ثم بيعها في السوق السوداء لمن يدفع ثمنا أكبر". وفي تطور آخر قالت السياسية الفرنسية مارين لوبن التي تنتمي لتيار اليمين المتطرف في مؤتمر صحفي اليوم الجمعة إنها ستخوض الانتخابات الرئاسية في 2022، معربة عن اعتقادها بأن فوزها أمر محتمل جدا. وكان الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون فاز على لوبن في انتخابات عام 2017. وتقود لوبن حزب الجبهة الوطنية الذي أسسه والدها جان ماري لوبن في سنة 1972 وبقي رئيسا له حتى يناير/كانون الثاني 2011. وغيرت مارين لوبن اسم الحزب لاحقا إلى التجمع الوطني في حملة انتخابية سابقة حاولت من خلالها الإيحاء بمراجعات فكرية، لكنها غيرت ثوب الحزب ولم تغير جلده إذ أبقت على الطروحات المتطرفة ذاتها في ما يتعلق بالهجرة والمسلمين. باريس - وجه وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانان اليوم الأربعاء بحماية مساجد تلقت تهديدات بالحرق على اثر الجريمة الإرهابية الأخيرة التي راح ضحيتها المدرس صامويل باتي والتي ارتفع معها منسوب الخوف من موجة عنف من شقين: عنف إسلاميين متطرفين وعنف من اليمين المتطرف. وقال دارمانان إنه طلب من السلطات المحلية وضع المساجد في مدينتي بوردو وبيزييه في جنوب غرب فرنسا تحت حماية الشرطة بعد تلقيها تهديدات أو أعمال عنف. وكتب على تويتر "مثل هذه الأعمال غير مقبولة على أرض الجمهورية". وذكرت إذاعة فرانس بلو على موقعها الإلكتروني في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء أن مسؤولي مسجد الرحمة في بيزييه رفعوا شكوى للشرطة بعد تلقيهم رسائل كراهية على فيسبوك منها دعوة لحرق المسجد. وتأتي التهديدات بعد أيام من قتل شاب شيشاني لمُدرس تاريخ فرنسي بقطع رأسه بعد أن عرض رسوما كاريكاتورية تصور النبي محمد على تلاميذه في مدرسة بشمال غربي باريس. وعرضت محطة الإذاعة رسالة على فيسبوك، حُذفت بعد ذلك، تدعو إلى تكريم المُدرس القتيل بحرق مسجد بيزييه. وقال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس للبرلمان أمس الثلاثاء إن فرنسا بحاجة إلى قانون لمكافحة تهديد حياة الآخرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي. لكن هذه التهديدات تأتي أيضا على اثر حملة أمنية أطلقها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون لمواجهة ما وصفه بـ"التطرف الإسلامي" في بلاده. كما تأتي في خضم توتر سياسي تعيشه فرنسا على وقع الجريمة الإرهابية الأخيرة في ضواحي باريس، فزعيمة اليمين المتطرف مارلين لوبن دعت أمس الثلاثاء إلى قانون حرب وطالبت بوقف فوري لكل أشكال الهجرة. ويواجه ماكرون الذي أعلن حملة ضد "التطرف الإسلامي" ويسعى لقصقصة أجنحة جماعات الإسلام السياسي في فرنسا ضغوط داخلية شديدة على خلفية تنامي التطرف في بلاده. وتقول مصادر قانونية إن هناك ثغرات في القوانين الأوروبية عموما والفرنسية خصوصا أتاحت لجماعات الإسلام السياسي التمدد تحت ستار حرية المعتقد وأنها عززت نفوذها على مرأى ومسمع من حكومات الدول التي تنشط فيها. ومن ضمن تلك الجماعات جماعة الإخوان المسلمين التي أنشأت هيئات وجمعيات خيرية وقنوات مالية وشبكات سرية في مختلف دول العالم خاصة في بريطانيا وتمددت إلى كل من ألمانيا وفرنسا دون قيد أو رقيب على أنشطتها. وبعد عقود من علاقة ملتبسة وملاذات للإخوان في الخارج تحت غطاء المظلومية، أصبحت الجماعة المحظورة والمصنفة تنظيما إرهابيا تحت مجهر عدد من الحكومات الغربية التي توجست من أنشطة مالية مشبوهة ومن قدرة التنظيم على استقطاب المزيد من الأنصار وتوظيف المساجد والمدارس الدينية منبرا للترويج للتطرف.

مشاركة :