حذّر الرئيس السابق للاستخبارات العامة السعودية الأمير تركي الفيصل من أن إيران قد تمتلك يوماً قنبلة نوية، خاصةً في ظل عدم تعديل الاتفاق النووي المبرم بينها وبين القوى الغربية. واعتبر الفيصل، خلال مشاركته في لقاء افتراضي، أمس الخميس، نظمه منتدى صحيفة «البلاد» البحرينية، أن «ما يعيشه العالم من تحولات واستقطابات يفرض تحديات استراتيجية وحالة من عدم اليقين، تثير تساؤلات لدى القيادات والشعوب»، مبيناً أن «العالم يعيش مرحلة صعبة ليس من اليسير التنبؤ بنتائجها». وأضاف الفيصل، الذي يشغل الآن منصب رئيس مجلس إدارة «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية»: «الأوضاع في المنطقة العربية تتأثر بفاعلين تتناقض مصالحهم»، محذراً من «أن الانكشاف يبقي أبواب المنطقة مشرعة أمام الفوضى والتدخلات الخارجية». وأضاف: «لنا عبرة في ما حدث في العراق وكيف تم تسليمه بأبخس الأثمان إلى إيران، وكذلك ما نشهده من تدخل خارجي في سوريا»، بحسب ما نقلته عنه صحيفة «القبس» الكويتية التي شاركت في اللقاء الافتراضي. وأوضح الأمير تركي أن «أمن منطقة الخليج قضية دولية وليست إقليمية فقط، لما تحمله المنطقة من أهمية استراتيجية ومالية، وقد سلمت من تداعيات حروب عدة، لكن لا يمكنها الركون إلى ذلك مستقبلاً، بل عليها معالجة كل أوجه القصور والاستعداد لجميع السيناريوات، لاسيما أن خطر إيران ماثل للعيان، عبر تدخلاتها ونشر أفكارها الطائفية وسعيها لامتلاك السلاح النووي». استعادة العراق وتابع: «قيادة إيران الآن هي خطر حقيقي، فكل المحاولات طيلة نحو 40 عاماً لترشيد سياستها فشلت، ونحن لا نكن عداء لإيران ولا نريد لشعبها الضرر، لكن يجب تحقيق التوازن معها، فأي خلل في التوازن ستستغله إيران. إيران خطيرة أيضاً بسبب سلوكها المتمرد طيلة عقود، وسعيها لزعزعة استقرار وأمن جيرانها وتفتيت مجتمعاتهم. والتجربة العراقية تقدم نموذجاً عن تأثير إيران واستغلالها موارد العراق واللعب فيه طائفياً ومحاربة الدولة العراقية». وشدد الأمير تركي الفيصل على «ضرورة استعادة العراق ليكون عاملاً للأمن والاستقرار في الخليج، ويجب دعم القوى العراقية التي تسعى إلى ذلك وتخليص العراق من هيمنة إيران التي تقوم بالدور التخريبي نفسه في سوريا ولبنان واليمن، وهذا يهدد أمن الخليج. إن سياسة إيران التدميرية لا تختلف عن الأثر المدمر للسلاح النووي الساعية إلى امتلاكه». محادثات فيينا وعن محادثات إيران والدول الأعضاء في الاتفاق النووي في فيينا وضرورة إشراك السعودية ودول خليجية وعربية أخرى فيها، قال الفيصل: «محادثات فيينا لن تزيل مخاوفنا من خطر برنامج إيران النووي، ويجب أن تكون دول الخليج في صلب المفاوضات حول الاتفاق النووي، وأن يتم نقاش كل الهواجس بشأن الصواريخ الباليستية لإيران وتدخلاتها الإقليمية. الاتفاق النووي لم يأخذ في الحسبان جيران إيران بسبب سذاجة تفكير (الرئيس الأميركي الأسبق باراك) أوباما، وترحيب دول الخليج بالاتفاق كان على أساس أنه سيوقف سلوك إيران العدواني في المنطقة، لكن ما حدث هو العكس، فتدخلاتها زادت، وهيمنت إقليمياً». وتابع: «إن قرار (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي كان بهدف الضغط على إيران للجم تدخلاتها في المنطقة ومعالجة هواجس دول المنطقة، لكن (الرئيس الأميركي الحالي جو) بايدن يعود إلى الاتفاق اليوم. وبقاء الاتفاق على حاله سيؤجج النزاعات، ويدفع دول المنطقة إلى البحث عن بدائل، بما في ذلك الاستعداد لليوم الذي تمتلك فيه إيران القنبلة النووية. نحن نريد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، لكن الحذر مطلوب، وعلى دول الخليج الاستعداد لكل السيناريوهات». وأكد الأمير تركي الفيصل أن «إيران ابتزت الدول الغربية ببرنامجها النووي إلى أن دفعت إدارة أوباما إلى توقيع الاتفاق، وفق شروطها، وخلال عهد ترمب زادت انتهاكاتها، وفي عهد بايدن منعت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تفتيش مواقعها وبرنامجها النووي وزادت تخصيب اليورانيوم لتقوية موقفها التفاوضي والضغط قبيل محادثات فيينا. أرجو من دول الاتفاق النووي أن تعي ألاعيب إيران». وتابع: «لست متفائلاً بشأن قدرة إدارة بايدن على عدم الرضوخ لابتزازات إيران، لكن ما أعلنته فرنسا من ضرورة بحث برنامج إيران الصاروخي مهم، وأرجو أن تكون فرنسا نسقت في ذلك مع بريطانيا وألمانيا». اتفاقية الصين وإيران وحول الاتفاقية التي وقعتها الصين مع إيران، رأى الأمير تركي الفيصل أن «فيها شيئاً خفياً يجب معرفته ومعرفة ما إن كان سيؤثر على أمننا ومصالح الدول الخليجية والعربية، لكن ما دون ذلك لا يدعو للقلق، فوزير الخارجية الصيني زار السعودية والإمارات قبل ذهابه إلى طهران لتوقيع الاتفاقية، التي تقوم بمجملها على البعد الاقتصادي، وتأتي ضمن مبادرة الحزام والطريق الخاصة بالصين. كما أن علاقاتنا التجارية بالصين قوية جداً، وأرجو بعد الاتفاقية أن تزيد الصين ضغوطها على طهران لردع سلوكها التخريبي في المنطقة». وأفاد الفيصل بـ»ضرورة تقوية اللوبي العربي في أميركا وأوروبا»، لكنه لفت إلى أن «نجاحات إيران ليست نابعة فقط من وجود لوبي إيراني قوي في الولايات المتحدة، فهناك لوبيات أخرى، منها اللوبي الإسرائيلي، الذي له دور مؤثر في مواقف الولايات المتحدة من قضايا العالم العربي». وتابع: «دول أوروبا في الاتفاق النووي تعرف أن إيران راعية للإرهاب وتؤيد المنظمات المتطرفة ومسؤولة عن سفك الدماء واضطهاد شعبها، لكنها على الرغم من ذلك تقدم تنازلات لإيران لضمان مصالحها. الدول الغربية عموماً تسعى وراء مصالحها.. ونحن كعرب لدينا علاقات تجارية قوية مع أوروبا يمكن استثمارها للضغط، كما أن دول الخليج من أكبر الشركاء للصين ولروسيا، فلا بد أن يكون لنا كدول خليجية وعربية دور فاعل في الدول الكبرى، وتوظيف ذلك في تجمع عربي يواجه التحديات». علاقة السعودية بالولايات المتحدة وعن تعامل إدارة بايدن مع السعودية، قال الأمير تركي: «الدول في علاقاتها تمر بمراحل صعود وهبوط، حسب الظروف والمصالح، والسعودية اختلفت مع الولايات المتحدة في مواقف كثيرة، منها خلافنا مع ترمب حول اعتباره القدس عاصمة لإسرائيل، وقطع النفط عنها أيام نيكسون. السعودية تعبّر عن رأيها في أي ظرف، وتبدي رفضها متى شاءت». وأضاف: «ثبات سياستنا مع أميركا يسهّل علينا التعامل مع كل إدارة جديدة، سمعنا كلمات لاذعة من ترمب قبل أن يصبح رئيساً، ثم اتخذ منهجاً مختلفاً مع السعودية، وكذلك بايدن، سيعيد النظر بالعلاقة. وما يهمنا أن يعي أنها مبنية على أمور راسخة منذ عقود طويلة، وليس على ظروف طارئة، كما أن مصالح مشتركة تجمع المملكة بالولايات المتحدة». أفاد الأمير تركي بأن «أميركا أكدت مراراً بأنها تقف إلى جانب السعودية في الدفاع عن أراضيها ومنشآتها واقتصادها وأمنها، على الرغم من سحب بعض القوات الأميركية من المنطقة، كما أعلنت أنها توفر ما تحتاجه المملكة من أسلحة ووسائل دفاعية». بيّن أن «السعودية اهتمت بالأمن السيبراني، ولدينا هيئة متخصصة، ومنذ آخر هجوم على أرامكو لم ينجح أي هجوم جديد في استهداف مكوناتها أو مكونات أي شركة أخرى. لدى السعودية متخصصون مهمون في مجال الأمن السيبراني، ودول مجلس التعاون تنسق معنا في هذا الصدد أيضاً». وأيد الأمير تركي الفيصل فكرة «أن يكون هناك تجمع عربي يعيد تعريف الأولويات في المنطقة ومفهوم الأمن ويحدد التحديات من وجهة نظر دول المنطقة لا من وجهة نظر أميركا أو أوروبا، ليكون للعرب موقع في العالم»، لافتاً إلى «نجاح الجهد العربي المشترك سابقاً في طرد الاستعمار من كل الدول العربية وكذلك دوره في حرب أكتوبر 1973 وقطع النفط عن الولايات المتحدة».
مشاركة :