ما هي انعكاسات ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر؟

  • 4/10/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

خطورة قضية التغير المناخي المتمثلة في سخونة الأرض وارتفاع حرارتها تكمن أساسا في التداعيات التي تنجم عنها وفي المردودات المتشابكة والمعقدة التي تتمخض عن هذا الارتفاع في حرارة كوكبنا.  هناك انعكاسات وتهديدات كثيرة تنكشف كل يوم بسبب التغير المناخي الواقع على الكرة الأرضية، وآخرها الارتفاع السريع والمتزايد في مستوى سطح البحر في كل دول العالم، والذي يظهر بشكلٍ جلي وخطير على المدن الساحلية وعلى سكان هذه المدن والمرافق الموجودة على هذه السواحل. فقد أكدت آخر دراسة منشورة في الثامن من مارس من العام الجاري في مجلة طبيعة التغير المناخي (Nature Climate Change) تحت عنوان: «تقييم دولي للانخفاض والتغير النسبي في مستوى البحر»، والتي ركزت بدرجة كبيرة على واقعية سرعة ارتفاع مستوى سطح البحر، أن المعدل النسبي العالمي لارتفاع مستوى سطح البحر يُقدر بنحو 2.5 مليمتر في السنة خلال العشرين سنة الماضية، كما أفادت نتائج الدراسة بأن معدل مستوى سطح البحر يرتفع أسرع أربع مرات في المدن الساحلية مقارنة بغيرها، أي أن ارتفاع سطح البحر في السواحل أشد وأكبر وأسرع أربع مرات، حيث يبلغ المعدل 7.8 إلى 9.9 مليمترات في السنة. وهذه النتيجة تؤكد التهديد الواقعي العظيم الذي يعاني منه الملايين من سكان المناطق الساحلية والذين يشكلون قرابة 58% من سكان العالم. وجدير بالذكر أن مستوى سطح البحر على كوكبنا ارتفع بمقدار نحو 21 سنتيمتراً منذ أن بدأ العلماء دراسة هذه الظاهرة، أي قرابة عام 1900.  ويمكن تقديم مثال واحد من بين أمثلة كثيرة تؤكد أن هذا التهديد المتمثل في أزمة التغير المناخي وسخونة الأرض التي تشهدها الكرة الأرضية منذ قرن من الزمان على صورة ارتفاع مستوى سطح البحر وتمدد مياهه، واقعية ومشهودة، ولا يمكن تجاهلها، أو غض الطرف عنها. فقبل سنوات أعلنت الحكومة الإندونيسية أنها ستنقل عاصمتها جاكرتا الواقعة على الساحل إلى موقعٍ آخر، وبالتحديد إلى مقاطعة شرق كاليمنتان (East Kalimantan) في جزيرة بورنيو (Borneo)، بكلفة قُدرت بنحو 33 مليار دولار.  فما هي الأسباب التي تدعو هذه الدولة إلى نقل عاصمتها العريقة بكافة مرافقها ومؤسساتها، وتحَمُّل هذه النفقات الإضافية العالية، والكلفة الباهظة لعملية التحويل هذه؟ فقد أجمعت الدراسات الميدانية أن جاكرتا ستنخسف تدريجياً، وستغرق كلياً في البحر بحلول عام 2025، إذ إنها تنخفض وتنزل الآن عن مستوى سطح البحر بنسبٍ رهيبة غير مسبوقة في عصرنا الحديث، وتتراوح بين 10 و17 سنتيمتراً في السنة.  ولكن ماهي أسباب احتمالات غرق هذه المدينة الساحلية؟ الدراسات تفيد بأن هناك مجموعة من العوامل والأسباب التي أدت إلى ظهور مثل هذه الحالة في مدينة جاكرتا، ومدن ساحلية أخرى حول العالم مثل مدينة نيو أورلينز الساحلية بولاية لويزيانا الأمريكية، ومدينة شنجهاي الصينية، وكل هذه العوامل لعبت دوراً تراكمياً مشتركاً مع الزمن، وأدت إلى بروز هذه الظاهرة المستجدة. فالعامل الأول هو أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب الملوثات التي نُطلقها كل ثانية إلى الهواء الجوي منذ أكثر من مائتي عام، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما الكثير، أدى إلى ارتفاع حرارة مياه البحر وتمددها وارتفاع مستواها وإحداث الفيضانات والأعاصير وغيرهما من الكوارث المناخية الطبيعية إضافة إلى التي من صنع أيدينا، فغطت السواحل، وهدَّمت المرافق الساحلية كلها، وهجَّرت الناس من منازلهم وقراهم الساحلية. وأما العامل الثاني فيتمثل في ظاهرة هبوط وانخساف التربة والأرض في المناطق الساحلية (subsidence) نتيجة للضخ المتزايد والسحب المستمر لسنواتٍ طويلة من المياه الجوفية الساحلية والآبار الضحلة الموجودة في المنطقة الساحلية، ما أدى مع الوقت إلى انخساف وهبوط الأرض عن مستوى سطح البحر. كذلك هناك عوامل أخرى ساهمت في تفاقم هذه الكارثة البيئية، مثل عمليات حفر البحر واستخراج الرمال من المناطق الساحلية، إضافة إلى عمليات التنقيب عن النفط والغاز والمعادن وذوبان الثلوج. وهذه التداعيات المهددة لأمن الدول ومكتسباتها التنموية لسنا بمنأى عنها في البحرين التي تتكون من أكثر من 36 جزيرة صغيرة منخفضة السطح، وجزء كبير من مساحة البحرين -التي بلغت الآن حسب المخطط الهيكلي الاستراتيجي لعام 2016م 934 كيلومتراً مربعاً- يُعدّ مساحات ساحلية مدفونة من جسم البحر وقد وصلت إلى قرابة 290 كيلومتراً مربعاً، فهي إذن تقع على مستوى سطح البحر وتكون عرضة مباشرة لأي تغيرات، وإن كانت طفيفة قد تحدث للبحر ولمستوى سطح البحر خاصة، ما يعني أن كل المنتجعات والفنادق الفخمة والمرافق السياحية والصناعية والسكنية التي شيدت حديثاً، وأنفقت عليها الملايين من الدنانير على السواحل المدفونة من البحر قد تكون هي الأشد تضرراً من تداعيات التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى التهديدات التي سيعاني منها الناس الذين يعيشون في هذه المناطق الساحلية المدفونة بشكلٍ مباشر. ولذلك من أجل الحفاظ على هذه المكتسبات التنموية الوطنية وحمايتها من تداعيات التغير المناخي، علينا تبني وتنفيذ سياسة «الوقاية خير من العلاج»، أو المبدأ «الاحترازي» المبني على سياسة منع وتجنب الضرر قبل وقوعه، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك من خلال سن التشريعات والقوانين المتعلقة بتحديد مصادر تلوث الهواء وخفض انبعاث الملوثات منها، ثم من خلال الرصد والمراقبة المستمرة للتغيرات الزمانية والمكانية لحالة البحر على سواحلنا من حيث مستوى سطح البحر، ونسبة الأكسجين الذائب في الماء، ودرجة حموضة المياه، ونسبة الملوثات الموجودة فيها، إضافة إلى وضع البرامج التنفيذية لتفعيل هذه القوانين على المستوى الحكومي الرسمي وعلى مستوى الجمعيات الأهلية الطوعية والشركات والمصانع الخاصة، فنحن جميعاً شركاء في مواجهة هذا التحدي الواقعي. bncftpw@batelco.com.bh

مشاركة :