القرى التراثية.. إطلالة الماضي وإضاءة المستقبل

  • 4/11/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل التراث العمراني ركنا مهما من أركان التراث المتعددة والمختلفة والتي يبحث عنها السائح أينما حل وارتحل، وكذلك تعد عامل جذب رئيس لكل الباحثين عن جماليات الأرض ومخزونات الألق الحضاري الغابر، فمتعة التجوال في الأمكنة العتيقة لا تعدلها متعة منها تنبعث رائحة الطين وعبق الماضي الدفين وانعكاسات مرايا الأولين وهو يعطي دلالة واضحة على التطور الحضاري ومراحله المتعاقبة وعلى ثقافة الأمكنة والأزمنة وتأثير البيئة المحيطة والمناخ في تلك المباني والقلاع والحصون إضافة إلى جهد الإنسان وعرقه وإعماله لعقلة المتفتق والمتدفق بكل ما يتناغم مع البيئة ويتفاعل معها بالشكل الذي يلبي احتياجاته ومتطلباته وتأثره بما حوله من مظاهر مختلفة، ولا شك أن التراث العمراني القديم هو انعكاس كامل لحضارة الشعوب وثقافاتها المختلفة والمتعددة حسب المكان والزمان. وتعد القرى التراثية الآن في وطني الحبيب مركزا مهما للإشعاع الثقافي بكافة أنماطه وأطيافه وهي مزارات فكرية لافته تؤرخ للمكان والإنسان بشكل صادق وموثق دون زيف وخداع، وهي أيضا عامل جذب سياحي فعال يبحث عنه كل القادمين من جميع أصقاع الأرض. وقد جاءت رؤية المملكة 2030 منقذا لتلك الأمكنة من الطمس والضياع والفقد وأصبحت تحظى القرى التراثية والأمكنة التاريخية بفائق عناية ورعاية لجعلها من أهم الوجهات السياحية العالمية. ولعلي أشير هنا إلى قريتين تراثيتين في عسير كشاهد عيان وومض بيان وهي «قرية رجال» في محافظة رجال ألمع والتي سابقت الزمن في الظهور والبروز والكشف عن مكنوناتها منذ وقت مبكر، وكان هذا بفضل تعاون وتكاتف أهلها بحفاظهم الجاد لتلك التحف المعمارية النادرة وبالدعم الحكومي المتلاحق، والقرية التراثية تقع في هوة سحيقة تحيط بها الجبال الخضراء، والأبنية والحصون معلقة في أواسط الجبال كالعقد الفريد النادر اللمعان، والقادم لها يدهش لجمال تلك القصور الحجرية التي تزيد على الستين قصرا إضافة إلى متحفها الأنيق والذي يحوي بين جنباته مختلف أنواع التراث الحضاري للمنطقة على مختلف العصور. وتأسرك حقا عندما يأتي المساء بإضاءتها المبهجة التي تبرز المكان في أجمل حلة هذا إضافة إلى رائحة أشجارها العطرية الطبيعية التي تفوح صباحا من بين قطر الندى ومساء عندما تغتسل بحبات المطر. إن المتأمل لتلك القرية وقدرة الإنسان على الحفر والبناء وحمل الحجارة، ورفع الأخشاب الثقيلة إلى أواسط المباني بما يسمى بالمعدل وكذا التعاون المبهر بين رجالها في البناء ونسائها في الإبداع الداخلي من التزيين بالأشكال الهندسية المتناغمة بما يسمى «بالقط» يعرف يقينا عظمة وقوة من عاشوا في تلك المنطقة ويدرك تماما قيم الشيم الأصيلة في تكوين تلك الأبنية ومدى ما وصل له إنسانها من تطور ورقي وعلم في تلك الأزمنة الغابرة. وينقص تلك القرية الحالمة في أحضان الطبيعة وجود المطاعم الشعبية التي تقدم الأكلات المحلية التي تشتهر بها تهامة عسير وكذا المقاهي بالشكل الذي يتمناه السياح من تقديم الأشربة التراثية المختلفة. أما القرية الثانية فهي قرية العكاس الأثرية التي لم تر النور بعد وهي في مراحل الإعداد الأولية بأن تصبح واحدة من أهم القرى التراثية بالمنطقة حيث تتعدد الخطط في سبيل إظهارها بشكل مبهر يعكس تراث عسير السراة بشكل مميز ولافت، إضافة إلى تنمية القرية في كافة الجوانب الحياتية مما سيكون له أبرز الأثر في النواحي الاقتصادية والفكرية والتراثية. وإن الاهتمام الكبير من قبل حكومتنا الراشدة في تطوير تلك القرى التراثية على امتداد مساحات الوطن العظيم والحفاظ على هذا الإرث لهو مدعاة للفخر والاعتزاز بكل تلك المكونات العريقة. عبدالله مريع

مشاركة :