تحولات عديدة شهدتها المنطقة خلال الأيام الماضية في اتجاه رسم خارطة التحالفات بين الدول وتصحيح ما تراه من مشكلات وخلافات أثرت سلبا على الانسجام المطلوب بين هذه الدول، ومن مظاهر هذا التطور الذي يبدو أنه يحمل عناصر إيجابية متوقعة هو تطور الموقف التركي في العلاقة مع جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وخاصة في ملف استضافة تركيا العديد من العناصر المناوئة لهذه البلدان والقنوات الإعلامية والفضائية التي تمارس دورا تخريبيا ضد الدول الثلاث، وكذلك العمل على ترميم الجسور بين كل من مصر والسعودية والإمارات، وتركيا، من أجل استعادة العلاقات الطبيعية فيما بينهم. هذا الوضع أثار من جديد موضوع تمويل ودعم الجماعات الإسلامية بوجه خاص من قبل عدد من الدول في سعي لتمكينها سياسيا سواء بابتزاز البلدان العربية أو لمحاولة ضرب أمن واستقرار بلدان المنطقة، حيث بينت المعلومات والتقارير المتداولة أن هذه المجموعات تمتلك موارد مالية هائلة تأتيها من جهات متعددة؛ ما مكنها من امتلاك منصات إعلامية تستغل يوميا على مدار الساعة ضد بعض البلدان في محاولة يائسة لتشويه صورتها بأي طريقة، ولكن عندما تتعارض مصالح تركيا على سبيل المثال مع هذه الجماعات فإنها كما تشير إلى ذلك بعض التقارير الإعلامية بدأت تضيق على هذه الجماعات وتشجعها على المغادرة لأن في ذلك مصلحة جوهرية لتركيا تؤدي إلى استعادة مصالحها الاقتصادية مع مصر والسعودية والإمارات. أثار هذا الموقف أيضا موضوعات أخرى ذات علاقة مثل الثروات الهائلة التي قيل إن زعيم حزب حركة النهضة في تونس يتلقاها؛ حيث أشارت هذه التقارير إلى أن السيد راشد الغنوشي رئيس الحركة قد تحول من مدرس بسيط إلى أحد أبرز أغنياء تونس خلال السنوات العشر الماضية من وجوده في السلطة حيث تقدر ثروته المالية بأكثر من 2 مليار و700 مليون دولار بحسب تلك التقارير التي نشرت ضمن حملة من أين لك هذا؟ والتي تطالب بالتحقيق في مصادر ثروة رئيس البرلمان زعيم حركة النهضة. ويتساءل الناس في تونس عن مصدر ثروة هذا الرجل مع أنه لم يعرف له من ثروة أو ممتلكات أو عقارات أو استثمارات قبل عام 2011، وقد كان لاجئا سياسيا في لندن يعيش على المعونات الاجتماعية في هذا البلد الذي أعطاه اللجوء السياسي منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وفجأة اصبح يمتلك هذه الثروة الهائلة التي أعطته قوة كبيرة ومكنته من توظيف هذه الأموال في السيطرة السياسية وشراء المواقف داخل حركة النهضة التي يتزعمها، وقد عززت هذه الأموال من سلطته وسيطرته على الحزب الذي يترأسه بالرغم من أن أكثر من مائة من قيادي الحركة المعروفين قد وقعوا عريضة تطالب بإنهاء سيطرة هذا الرجل على الحزب وضرورة انسحابه لترك مجال للدماء الجديدة لتتبوأ موقع الصدارة ولكي يتم تطبيق المبدأ الديمقراطي داخل حركة النهضة، إلا أنه أصر على رفض هذه العريضة؛ ما أدى إلى انسحاب واستقالة عدد من كبار زعماء الحركة المعروفين من أمثال لطفي زيتون المستشار السياسي للغنوشي وعبدالحميد الجلاصي الذي يعد من أهم الكوادر السياسية للحركة، إلا أن الغنوشي بما يمتلكه من ثروة هائلة باسمه استطاع أن يعيد سيطرته على الحركة كما جاء في التقارير المنشورة في الصحافة التونسية والعربية والعالمية التي تحدثت عن تضخم ثروة هذا الرجل من دون أن يؤدي ذلك إلى تحقيق جدي من قبل السلطة التونسية حول هذه الثروة؛ ما يثير مشكلة تضخم ثروات السياسيين في تونس بعد سقوط نظام بن علي ولكن لا أحد تقريبا مهتم بالتحقيق في هذا الموضوع نظرا إلى أن الذين من المفترض التحقيق معهم هم في مواقع كبيرة في المجتمع التونسي. إن الحملة التي يقودها المجتمع المؤثر في تونس وعدد من النواب الذين يعارضون وجود الغنوشي على رأس البرلمان قد أدت إلى الآن إلى توقيع ما لا يقل عن مائة من أعضاء البرلمان التونسي المكون من 219 على عريضة تدعو إلى عزل زعيم حركة النهضة من رئاسة البرلمان والكشف عن مصادر ثروته، ويأمل التونسيون الذين وقع الآلاف منهم على العريضة التحقيق في ثروة الغنوشي وثرائه غير المعقول وغير المبرر للوصول إلى مصادر هذه الثروة والجهات التي مدته بالمليارات سواء من الداخل أو الخارج، ما زاد الضغط على هذا الرجل الذي أدى إلى اهتزاز صورته وأصبح محل نقاش من قبل الطبقة السياسية في تونس التي تحمله إلى حد كبير مسؤولية الأزمة السياسية التي تعيشها الشقيقة تونس، فضلا عن فشل كل الجهود السياسية التي اتبعها حزب حركة النهضة منذ عام 2011 إلى اليوم ما تسبب في أزمة سياسية خانقة أعادت مجددا النقاش حول هذه الحركة التابعة للإسلام السياسي ومدى كفاءتها في إدارة الحكم ومدى قدرتها على التعامل مع المجتمعات الحديثة بعقلية يبدو أنها لا تتناسب مع هذا الزمان.
مشاركة :