يحتفل الأردنيون ومؤسساتهم الوطنية هذه الأيام بالمئوية الأولى من عمر الدّولة الأردنية حين أسس الملك عبد الله الأول (1882- 1951) إمارة شرق الأردن عام 1921، وحقق الاستقلال للمملكة الأردنية الهاشمية عام 1946، وساهم في بناء هيكل الدّولة الأساسي ومؤسساتها الوطنية وبناء الجيش العربي، ولعل أهم إنجازات الثورة العربية هو بزوغ نجم الدّولة الأردنية قبل مائة عام كدولة نموذج، تحمل مبادئ المشروع النّهضوي العربي بالحياة الكريمة والمواطنة الدستورية، واحترام التعددية الثقافية والسياسية والدينية، والحداثة والتعايش والوسطية، وتمكين المرأة وحقوق الإنسان. واليوم في عهد الملك عبد الله الثاني بن الحسين، تتواصل مسيرة البناء والتحديث لولوج المئوية الثانية بإرادة وتصميم في ضوء علاقات عربية متينة ومتجددة، من لمّ الشمل العربي لمواجهة التحديات، لتحقيق المزيد من إنجازات القيادة الحكيمة الإنسانية والتنموية والسياسية والثقافية. دولة الإمارات ربما تكون الأقرب إلى هذه المناسبة المجيدة، والأقرب أكثر إلى الشراكة الممتدة مع الأردن، على المستويات كافة. تمثال عين غزال المعروض في متحف اللوفر أبوظبي (أرشيفيةّ) تمثال عين غزال المعروض في متحف اللوفر أبوظبي (أرشيفيةّ) يملك البلدان تاريخاً ورؤى وروابط متينة تمتد إلى عهد الملك الراحل الحسين بن طلال بأخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراهما، حيث أسس الزعيمان جذوراً من المودة والألفة، وصنعا مواقف تاريخية، لا تزال حاضرة في ذاكرة الشعبين الشقيقين، وحملا دلالات العلاقات النّامية بعمق، حتى وقتنا الراهن، وشكّلت الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الأردن عام 2018، ولقاؤه الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، تتويجاً للعلاقة الأردنية الإماراتية الراسخة منذ عقود، كما مثّلت الزيارة التي حظيت بتقدير وترحيب الأردنيين، شاهداً على متانة هذه العلاقة الجامعة ووحدة موقف البلدين حيال ما تمرّ به المنطقة من ظروف وتحديات، ما يُعد التعبير الأمثل عن علاقة الأشقاء تحت مظلة الثقة والحكمة وسبل إدارتها وتعزيزها وتوجيهها نحو خدمة الشعوب.والعلاقات الثقافية الإماراتية الأردنية، لا تخرج عن هذا السياق من التعاون والاهتمام المشترك، ففي الجانب الرسمي على سبيل المثال، أثمر اجتماع اللجنة الوزارية الأردنية الإماراتية المشتركة في نسختها الثالثة في العاصمة أبوظبي، برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي ومعالي وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، توقيع 12 اتفاقية ووثيقة، تضمنت بروتوكولات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية، من شأنها الإسهام في فتح آفاق أوسع للتعاون بين البلدين، منها توقيع البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي بين حكومتي البلدين، للاتفاق في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والإعلام والثقافة والفنون. إسماعيل عبد الله إسماعيل عبد الله أمثلة ساطعة وفي سياق آخر وقعت وزارة الثقافة الأردنية نهاية عام 2020، اتفاقية عمل مع الهيئة العربية للمسرح ومقرها الشارقة، للتعاون في تفعيل الفنون الأدائية ومسرح الشباب الهواة في المملكة، وقد أكد الأمين العام لـ«الهيئة»، الكاتب الإماراتي إسماعيل عبد الله، اعتزاز «الهيئة» بهذه الشراكة الثقافية التي تمتد إلى سنوات سابقة، قدّمت خلالها فعاليات وأنشطة مشتركة في مجال «أبو الفنون». وقال: «الاتفاقية نقطة فاصلة في ميدان التعاون، وتنعكس على مسيرة الفنون في العالم العربي». إلى ذلك، تلزم الإشارة إلى أهمية دعم «الهيئة» مهرجان رمّ للمسرح الأردني، تنفيذاً لمبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، ضمن مشروع «الهيئة» الاستثنائي بتنظيم مهرجانات مسرحية وطنية في العالم العربي، في إطار تفعيل الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية التي أعدتها، والرامية إلى تنمية الفن المسرحي العربي. وضمن مبادرة إماراتية شاملة لإنشاء ألف بيت شعر في أقطار عربية، دعماً لمجالات التعبير الأدبي العربي؛ تم تدشين أول بيت للشعر بمدينة المفرق الأردنية (80 كم شمال العاصمة عمان). وفي عام 2017، حلّت دولة الإمارات ضيف شرف في معرض عمّان الدّولي للكتاب، في نسخته الـ 17، الذي نظمه اتحاد النّاشرين الأردنيين، تزامناً مع إعلان عمّان عاصمة للثقافة الإسلامية، وأشاد فتحي البس، رئيس اتحاد الناشرين آنذاك، بالمشاركة الإماراتية النوعية، تحت مظلة «إن الأردن ودولة الإمارات لديهما علاقات دبلوماسية وثقافية متأصلة تمتد لسنوات طويلة يعتز بها البلدان في شتى المجالات، ما أدى إلى تحقيق نتائج مثمرة وتطور في مجال التبادل الثقافي وتكثيف التواصل الشعبي». أحمد الشامي أحمد الشامي ومن أوجه التعاون والتبادل الثقافي الإماراتي الأردني، إعارة وزارة السياحة والآثار الأردنية، أحد تماثيل عين غزال التي تعد أيقونة الكنوز الحضارية في الأردن، لمتحف «اللوفر أبوظبي» لعرضه فيه مدة 5 أعوام، ما ينم عن مدى أهمية تلك الآثار التي تُعرض في متاحف عالمية وعريقة، وهو ما يعزز مكانة الأردن بالبعد الأثري والتاريخي، ويعكس اهتمام دولة الإمارات بالتنوع الحضاري، والتمثال واحد من ضمن 36 تمثالاً، تم العثور عليها في موقع عين غزال الأثري عام 1982، حيث يمثلون أحد مظاهر الاستيطان والحياة المستقرة عالمياً والتي تعود إلى الألف الثامن قبل الميلاد. وبناء على مذكرة التفاهم التي وقعت بين الأردن ومتحف اللوفر في أبوظبي، سيكون هناك تعاون مستقبلي مع دائرة الآثار العامة الأردنية، من خلال إتاحة الفرصة أمام أمناء المتاحف في متاحف الآثار العامة لحضور دورات علمية متخصصة في مجال المتاحف في الأردن ودولة الإمارات. في سياق متصل، عبّر أحمد الشامي، مدير دائرة الآثار العامة الأردنية عن تقديره لجهود دولة الإمارات في مجال التبادل الآثاري والحضاري مع الأردن. وقال لـ «الاتحاد»: «وجود تمثال عين غزال في متحف اللوفر أبوظبي، هو بمثابة سفير للآثار والسياحة الأردنية في أعرق متاحف المنطقة العربية، كما أن ذلك فرصة للباحثين والدارسين في علوم الآثار للاطلاع على التراث الحضاري الإنساني»، لافتاً إلى أن دولة الإمارات خطت خطوات واسعة في مجال تعزيز مفهوم أمثل لحوار الحضارات والثقافات. علي العايد علي العايد أردنيون في المشهد الثقافي الإماراتي تثبت دولة الإمارات يوماً بعد يوم أنها أصبحت تنافس في المجال الثقافي عربياً وعالمياً، ومن يتابع الحراك الثقافي في هذا البلد الذي أصبح مركز جذب للتنوع الثقافي والحضاري، يدرك أهمية أن يتطلّع كبار الكتاب والأدباء والباحثين في المجال الإبداعي لتأكيد حضورهم في هذا المشهد المتسارع في التطور والتقدم ومواكبة العصر، ومنهم مبدعون أردنيون لهم صلات عميقة مع هذا المشهد، وخاصة في عالم المبادرات والجوائز التحفيزية التي تطلقها دولة الإمارات وتتبنى بعضها، ومن ذلك الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، حيث حقق الروائي الأردني جلال برجس، وصولاً مشرّفاً إلى قائمتها القصيرة في نسختها الـ 14 لعام 2021، بروايته «دفاتر الورّاق»، وقد عبّر وزير الثقافة الأردني علي العايد، عن تقديره لهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن «البوكر» من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في العالم العربي، التي ترفع مستوى الإقبال على قراءة الأدب عالمياً من خلال ترجمة الروايات الفائزة إلى لغات عدة. سلمى الخضراء الجيوسي سلمى الخضراء الجيوسي وكذلك فوز الشاعرة والمترجمة والأكاديمية الأردنية سلمى خضراء الجيوسي، بشخصية العام الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب في نسختها الـ 14، لعام 2020، وفوز الشاعر والناقد الأدبي الأردني راشد عيسى، بجائزة الشارقة للشعر العربي لعام 2016. جلال برجس جلال برجس برنامج تعاون حظيت العلاقات الثقافية والتعليمية بين الإمارات والأردن باهتمام قيادتي البلدين والجهات الحكومية والخاصة المسؤولة عن المجالات الثقافية والتعليمية، وكانت أولى البعثات التعليمية الأردنية لدولة الإمارات في منتصف الخمسينيات أي قبل قيام الاتحاد، ومنذ ذلك التاريخ بدأت مجموعات من المدرسين والتربويين الأردنيين تغادر للعمل في الإمارات، تبعها التحاق طلبة إماراتيين بمعاهد وجامعات أردنية، وفي عام 1986، تم التوقيع على أول برنامج تنفيذي للتعاون الثقافي والعلمي بين البلدين، وخُصص لدولة الإمارات أربعون مقعداً في الجامعات الأردنية في مختلف التخصصات العلمية والأدبية، يضاف إليها عدد من المقاعد في مجال الدراسات العليا، ونتج عن تلك الاتفاقية تخريج مئات الطلبة الإماراتيين من الجامعات الأردنية.
مشاركة :