ماذا تعنى محمدا رسول الله.. تعنى أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيلة استخدمها الله.. وهو غنى عنها لإبلاغ رسالته إلى الناس المنافقون أبوا أن يذهبوا إلى الرسول.. وقالوا: كيف نذهب إلى بشر مثلنا.. فلنستغفر الله مباشرة دون واسطة عندما نسأل سؤالًا خاطئا.. لا مفر من أن تكون الإجابة خاطئة.. عندما نسأل: من الذى أنجبنا الأم أم الأب؟.. لا يمكن أن تلقى إجابة صحيحة.. فلو قلنا الأم فقط.. أو الأب فقط تكون الإجابة خاطئة.. والحال نفسه لو سألنا بأى اليدين نصفق؟.. بأى العينين نرى؟.. بأى الفكين نأكل؟.. بأى الشهادتين ندخل الإسلام «شهادة لا إله إلا الله أم شهادة أن محمدًا رسول الله».. فى بعض الأسئلة لا تكون الإجابة الوحيدة القاطعة إجابة صحيحة. وهناك سؤال شائع يخضع لهذه القاعدة وينتمى إلى هذه القبيلة من الأسئلة: هل التوسل حلال أم حرام؟.. لو قلنا حلالًا.. خطأ.. ولو قلنا حرامًا.. خطأ.. لابد من الإجابتين معا.. لكن.. كيف؟ كيف يلتقى الحلال والحرام معا؟.. أعطنى قلبك وعقلك وصبرك قبل أن نخوض فى التفاصيل. التوسل هو استخدام وسيلة لبلوغ غاية.. تعريف لا علاقة له بالدين حتى الآن.. فالعين وسيلة رؤية يستخدمها الكافر والمتدين.. واللسان وسيلة نطق لجميع البشر على جميع اختلافاتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم.. ولا يجوز هنا أن نسأل ما رأى الدين فى رؤية العين.. أو نطق اللسان.. أو شم الأنف.. أو سمع الأذن.. المسلم وغير المسلم يستخدمون هذه الوسائل التى نطلق عليها حواس.. بل إن الطيور والحيوانات تستخدمها أو بعضها.. ومن ثم نضيف لتعريف التوسل: أنه استخدام وسيلة لبلوغ غاية وهو ضرورة فطرية. ولا أحد يجادل بأن الإسلام هو دين الفطرة ويتماشى معها.. وبالفطرة نستخدم الحواس مثلنا مثل غيرنا.. أى لا علاقة لهذه الضرورة الفطرية بالدين.. لكن الإسلام قنن استخدام هذه الوسائل.. فتركنا نسمع بأذاننا بشرط ألا نتسمع بها على الآخرين.. بشرط ألا نتجسس عليهم.. تركنا نرى بأعيننا بشرط ألا ننظر إلى ما حرم الله.. قال سبحانه وتعالي: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن».. إذن العين مثلا وسيلة لا نقول إنها مباحة مطلقا.. أو محرمة مطلقا.. والذى يبيحها أو يحرمها هو الغاية.. فإذا كان ما أنظر إليها مباحا تكون الوسيلة هنا وهى العين حلال.. والعكس صحيح. ويصبح تعريف التوسل هو استخدام وسيلة لبلوغ غاية وهو ضرورة فطرية تحل بحل غايتها وتحرم بحرمتها.. ومن ثم فتحريم التوسل مطلقا كالأمر بإغماض العينين أمر ضد الفطرة.. وتحليل التوسل مطلقا كالأمر بفتح العينين على كل شيء بما فى ذلك المحرمات.. دون حساب للشرع. إن استخدام السكين مشروع.. كوسيلة قطع.. تنفع الناس.. لكنها غير مشروعة.. كوسيلة ذبح.. تقتل وتضر الناس.. فلا يجوز إباحتها أو تحريمها على الإطلاق.. يقول الله سبحانه وتعالي: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم».. ما يقضيه الله يذعن له المؤمن وما بقضية الرسول يسلم له المؤمن.. هناك أوامر إجبارية لا خبرة لنا فيها.. وهناك وسائل ترك لنا الخيار فى استخدامها على أن نحاسب على كيفية استخدامها لها.. فلو لم يترك لنا الخيار فى استخدام الحواس لكان كل منا مسيرا غير محاسب.. لكنه ترك لكل منا الخيار رابطا المعرفة بالاستطاعة.. إذن ليس كل متاح مباحا.. إلا فى حدود ما شرع الله سبحانه وتعالى. وبعد هذه المقدمة التى طالت نصل إلى علاقة التوسل بصميم الشرع.. إن هناك من يرفض وجود واسطة بين الله وعباده.. ويرفض التوسل.. ويحرمه.. وبالعقل نقول: إن الله قادر سبحانه وتعالى قدرة مطلقة على الوصول إلى عباده مباشرة.. فسبحانه وتعالى يقول: «ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها».. هو عز وجل قادر على الوصول مباشرة لهداية الناس.. هذا صحيح.. لكن.. لماذا جعل الرسل بينه وبينهم مع أن الرسل من عباده؟.. ثم لماذا جعل أمين السماء جبريل بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه قادر على تكليم الرسل مباشرة كما كان الحال مع سيدنا موسى: «وكلم موسى تكليما»؟.. لماذا كان جبريل وسيطا هنا رغم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى منزلة من سيدنا موسى؟.. إن الرسول بالطبيعة والمهمة وسيلة لتوصيل كلام الله إلى عباده.. يقول سبحانه وتعالى: «لتبين للناس ما نزل إليهم».. ثم ألا يعتبر أمين الوحى جبريل وسيلة بين الله ورسله؟.. بلى.. هذا ما أراده الله.. فمن يحكم بحرمة الوسيلة مطلقا كمن لا يرضيه حكم الله سبحانه وتعالى الذى يقول: «قل أتعلمون الله بدينكم». إن كلمة رسول على إطلاقها تعنى واسطة أو وسيلة.. هيئة البريد واسطة بين المرسل والمرسل إليه.. أى هى حاملة رسالة بين شخصين وهى واسطة بينهما.. إن لا أحد يدخل الإسلام إلا إذا نطق الشهادتين.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. ماذا تعنى محمدا رسول الله.. تعنى أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيلة استخدمها الله.. وهو غنى عنها لإبلاغ رسالته إلى الناس.. «يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم».. ألا يعتبر الرسول واسطة بحكم الله.. لذلك لا يجب تحريم الوسيلة تحريما مطلقا لأن هذا يدخلنا فى المحظور.. فإذا لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة فماذا يكون؟.. إذا ما أنكرناه كوسيلة فإنه صلى الله عليه وسلم يكون مصدر الرسالة وليس حاملها.. وهذه خطورة على الإيمان لدرجة لا يمكن تصورها. إن كلمة رسول فى اللغة العربية -التى تستوعب كلماتها كثيرا من المترادفات- تعنى واسطة أو وسيلة أو سيطا.. وهو ما يجعلنا نسلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مصدر الرسالة.. بل حاملها إلى المقصودين بها.. علينا أن نسلم بوجود الوسيلة أو الواسطة بشرط أن تدخل تحت قوانين وقواعد الشرع.. بشرط أن نربطها بالغاية.. إن القول إن الغاية تبرر الوسيلة مطلقا هو قول خاطئ.. والقول إن الغاية لا تبرر الوسيلة مطلقا هو قول خاطئ أيضاً.. والصحيح أن الغاية تبرر أو لا تبرر الوسيلة رجوعا إلى مبدأ ربط الوسيلة بالغاية. والمؤكد إن الشهادة بأن «لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» تعنى أنه صلى الله عليه وسلم ليس هو الله مصدر الرسالة أو ابنه أو شريكه.. وإنما هو وسيلة ارتضاها الله سبحانه وتعالى بإرادته -وهو غنى عنها- لتوصيل رسالته إلى عباده.. وجعل الله بينه وبين سيدنا محمد واسطة أخرى.. هو سيدنا جبريل.. والله غنى عن هذه الواسطة أيضا بدليل ما حدث فى رحلة المعراج.. فعند موضع معين توقف سيدنا جبريل عن مرافقة الرسول قائلا: «وما منا إلا له مقام معلوم».. هذا يدلنا على أن تحريم التوسل أو الوسيلة أو الواسطة ليس مطلقا وإباحته ليس مطلقا.. فى مرحلة معينة كان سيدنا جبريل واسطة وفى مرحلة أخرى لم يكن كذلك. لابد من الوسيلة حتى وإن كان المتوسل أفضل من المتوسل به.. الرسول متوسل.. جبريل متوسل به.. ولكن حكم الله يجب أن يكون على كل مؤمن ومؤمنة.. «أأنتم أعلم أم الله».. إذن الوسيلة هى واسطة المتوسل لبلوغ غاية.. وهو ما يؤكده قوله صلى الله عليه وسلم: «الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه».. إن الله ورسوله لم يحرما الاستعانة بطبيب.. الطبيب وسيلة للشفاء.. لو لم نعتبره كذلك فإنه يعتبر الشافى.. لكن الشافى هو الله.. والطبيب مجرد وسيلة ارتضاها الله وهو غنى عنها لقدرته على شفاء المريض دون طبيب. إذن إنكار التوسل مع نطق الشهادتين هو إسلام باللسان.. هو نطق باللسان دون أن يقر ذلك فى القلب.. فالرسول وسيلة.. ومن ينكر ذلك فقد أنكر الشهادة بأنه رسول الله.. يقولون بأفواههم ما ليس فى اعتقادهم بأن الرسول وسيلة. وأجاز بعض العلماء التوسل بالأحياء دون الأموات.. وكأنهم ينسبون للأحياء قدرة يفقدونها بموتهم.. فالله هو الفعال.. وهو قادر على نفع عبادة بوسيلة حية أو ميتة.. وهذا هو صحيح الإيمان.. فكل الأطعمة التى نتناولها لا حياة فيها «الأسماء واللحوم مثلا».. ينفعنا الله بها بالذبح والطهى مع أنها فارقت الحياة.. إن هذه الأشياء فى حد ذاتها ليست نافعة وإنما الله هو الذى ينفعنا بها.. وهذه حكمته فى خلقه.. يرزق بالغنى الفقير «حيا بحى» ويرزق بالحيوان إنسان.. ويرزق بالميت الحى «اللحم الذى نأكله يصبح خلايا حية فى أجسادنا».. لو اعتقدنا أن الله هو الفعال فلا فرق بين حى وميت.. لأنه لا قدرة لحى أو لميت دونه سبحانه وتعالى. أما إذا أراد الله أن يفوض عبدا من عبادة الذين لا يقدرون على شيء أو بأذن له بإذنه.. عندئذ يكون العبد فعالا بإذن الله ولا حدود لإذن الله سبحانه وتعالى.. لقد أذن الله لعيسى عليه السلام أن يخلق من الطين كهيئة الطير.. ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله.. وأذن له أن يبرئ الأكمه والأبرص وأذن له أن يحيى الموتى.. إن صاحب القدرة هو الله والمأذون له فعال فى حدود ما أذن الله به وبسلطان منه سبحانه وتعالى.. لقد أذن الله لعيسى عليه السلام مثلا أن يحيى الميت لكنه لم يأذن له أن يميت الحى.. ولا حدود لسعة الإذن الإلهى.. فيوم القيامة سينفخ إسرافيل فى الصور «البوق» فيصعق من فى السموات والأرض.. لا بالنفخة وإنما بالإذن الإلهى.. يقول سبحانه وتعالي: «ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا ما شاء الله».. ثم يأذن له مرة أخرى فينفخ فى الصور نفسه فيحيا من صعق مرة أخرى.. يقول سبحانه وتعالى: «ثم نفخ نفخة أخرى فإذا هم قيام ينظرون».. ما أحياهم البوق وإنما أحياهم الإذن الإلهى.. وانفلق البحر لموسى عليه السلام عندما ضربه بالعصا.. فكان كل فرق كالطود العظيم.. لا بالعصا انفلق.. ولا بموسى انفلق.. ولكن بالإذن الإلهى انفلق.. أو بالأمر الإلهى كما فى قوله سبحانه وتعالي: «فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم». إن الله هو المالك المتصرف القادر.. لا يقع شيء فى الوجود إلا بإذنه وإرادته وأمره وقدرته.. هو سبحانه وتعالى المانح للإذن والقادر على نزعه أو سلبه أو تجريده.. يقول سبحانه وتعالى: «قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير». وحجة المعترضين على التوسل هي: لا تجعل بينك وبين الله واسطة.. نحن لم نخلق هذه الواسطة.. الله هو الذى بينه وبيننا واسطة.. وهى هنا صلى الله عليه وسلم.. يقول سبحانه وتعالي: «ما على الرسول إلا البلاغ».. ويخشى المعترضون على التوسل أن يخلط العامة بين الواسطة ومصدرها فيضلون.. يقول سبحانه وتعالى «ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما».. وكأنه مسألة حسابية تكتب هكذا: جاءوك + استغفروا الله+ استغفر لهم الرسول = لوجدوا الله توابا رحيما.. لو سقط من رأس المعادلة مقدار لاختلت تماما.. لابد من أن يأتوا للرسول.. وأن يستغفروا الله.. وأن يستغفر لهم الرسول.. ليجدوا الله توابا رحيما. لكن المنافقين أبوا أن يذهبوا إلى الرسول.. وقالوا: كيف نذهب إلى بشر مثلنا.. فلنستغفر الله مباشرة دون واسطة ولا داعى للذهاب إليه صلى الله عليه وسلم.. قالوا ذلك وهم يتصورون أنهم سيحصلون على نتيجة المعادلة: «لوجدوا الله توابا رحيما».. وقد قبل الرسول أن يستغفر لهم عن بعد.. لكن حكم الله هو حكم الله.. يقول سبحانه وتعالى: «وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدى القوم الفاسقين».. هذا هو الفسق.. التكبر على الإتيان إلى رسول الله ورفض منحة إلهية وهى التوسل إلى الله برسوله صلى الله عليه وسلم. ويفسر الذين يحرمون التوسل قول الله تعالى: «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان».. يفسرونه على عدم التوسل برسول الله.. مع أنه عين التوسل به صلى الله عليه وسلم.. فالله سبحانه وتعالى يقول: «وإذا سألك عبادى عنى» ولم يقل «وإذا بحث عبادى عنى» إذن فشرط أن يكون الله قريبا من عباده أن يأتوا ويسألوا رسوله الكريم عنه سبحانه وتعالى.. إن شرط إجابة الدعوة هنا أن يأتوا إلى الرسول ويسألوه عن الله سبحانه وتعالى.. إن سرعة تفسير كلام الله يضعنا فى خطأ قد يتجاوز حدود ما يمكن قبوله.. «ولا حول ولا قوة إلا بالله»
مشاركة :