في جولة صغيرة وسريعة داخل أروقة مكتبة ما في مملكتنا العامرة بالثقافة القديمة والعقول القيمة، أعادتني لحظة التأمل في رفوف الكتب إلى سنوات مضت لتوصياتي المتلاحقة لوالدي وزوجي في توفير بعضها «الممنوع» من خلال رحلاتهما. الآن أقف عند «نيتشه» يتكلم على لسان «زرادشت» وعلى يميني فلسفة «ديكارت» وأمامي يطل وجه غازي «الحر» في شقته ليعلمنا أصول الحياة والإدارة ثم رأيت أسرار الخلق والسياسة والعالم السفلي تقفز من السر الأكبر لتدخل سجون دوستويفسكي!. يا الله، أين كان كل ذلك الرعب من هذه الكتب ولماذا كان كل هذا ثم ماذا؟ عاد كل شيء للأصل والمنطق الذي قال به القران الكريم «اقرأ» بكل هدوء وطبيعة سلسة، هذه الـ«اقرأ» التي ارتفعت بالإنسان ووجهته للإيجابية ووازنت فكره وأقامت شخصيته وأنارت له طريق النور. المحير في الأمر أنه ما يزال هناك احتفاء سنوي بما يسمى أسبوع الكتب الممنوعة مطلع شهر أكتوبر من كل عام رغم توفرها ككتب إلكترونية في متناول الجميع!. أي أن منع الكتب توجه عام لم تنفرد به السعودية فقط وإنما توزعت وتنوعت تلك التوجهات في الكثير من الدول والعصور، حتى وصل الحال للتعدي على حقوق المرأة في منعها من القراءة مقارنة بإباحتها للرجل كالظاهر في لوحة «الفاكهة المحرمة» في عصر ما يسمى بالنهضة، حيث منعت الفتيات من القراءة وصورت اللوحة بعضهن يتسللن للقراءة في المكتبات قبل زواجهن، لكن ربما بعض التناقضات تزيد جاذبية الأشياء، فلا تعلم هل منع هذا لضرره، أو منع لنشره. على كل حال عدت أتذكر تلك الأيام الخوالي شاكرة في نفسي ذلك المنع الذي زاد الرغبة والفضول، شاكرة لرؤية وطن، شاكرة لتحرير الكتب والعقول. شكرا لأنكم جعلتم كل ممنوع مرغوبًا.
مشاركة :