لطالما سعت مملكة البحرين وبتوجيهات من حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى لأن تكون سبّاقة دائمًا في سنّ وتحديث القوانين في شتى المجالات. كما أن مجلس الوزراء الموقر برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء يهدف من خلال سنّ هذه القوانين وتحديثها إلى كل ما من شأنه رفع مكانة وسمعة وتنافسية هذه المملكة الغالية بين دول المنطقة والعالم أجمع. كما لا يسعنا سوى الإشادة بما يقوم به وزير الصناعة والتجارة والسياحة الذي يعمل بكل جد وإخلاص لتنفيذ مختلف التطلعات الخاصة بالقطاعات التجارية والصناعية والسياحية، والتي تعتبر تمثل جزءًا لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي في مملكة البحرين. ومن هذا المنطلق، فقد صدر في الربع الاخير من عام 2020 تعديلات على بعض أحكام قانون الشركات التجارية والذي بموجبها تمت إضافة ومراجعة عدد من مواد هذا القانون. وهذه المراجعة شملت المادة رقم 188 من قانون الشركات التجارية رقم (28) لسنة 2020. وكما نعلم فإن الهدف من سنّ وتحديث هذه القوانين هو مواكبة التطور والتغير ليس فقط على المستوى المحلي ولكن على المستوى الإقليمي والدولي. وقد نصت المادة (188) من قانون الشركات التجارية رقم (28) لسنة 2020 على أن: «يبين نظـام الشركة طريقة تحديد مكافآت رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، حيث لا يجوز تقدير مجموع هذه المكافآت بأكثر من 10% من صافي الربـح بعـد خصم الاحتياطات القانونية وتوزيع ربح لا يقل عن 5% من رأسمال الشركة المدفوع، كما يجوز للجمعية العامة أن تقرر صرف مكافأة سنوية لرئيس وأعضاء مجلس الإدارة في السنوات التي لا تحقـق فيها الشركة أرباحا أو السنوات التي لا توزع فيها أرباحًا على المساهمين على أن يوافق على ذلك الوزير المعني بشؤون التجارة، ويجب أن يشتمل تقرير مجلس الإدارة إلى الجمعية العامة على بيان شامل لكل ما حصل عليه رئيس وأعضاء مجلس الإدارة - كل على حدة - خلال السنة المالية من رواتب ومكافآت ونصيب في الأرباح وبدل حضور وبدل تمثيل ومصروفات وغيرها، وبيان ما قبضوه بوصفهم موظفين أو إداريين أو نظير أعمال فنية أو إدارية أو استشارية أو أية أعمال أخرى. كما يجب أن يشتمل التقرير المذكور الإفصاح عن مكافآت أعضاء الإدارة التنفيذية - كل على حدة - بما في ذلك أية رواتب ومنافع ومزايا وأسهم». ونلاحظ من خلال نص المادة أعلاه بأن هذا التحديث يهدف بدرجة كبيرة من خلال الإفصاح التفصيلي لرواتب ومزايا الإدارة التنفيذية ومجلس إدارة الشركة المساهمة للمزيد من الشفافية إلى رفع مكانة مملكة البحرين دوليا، إلا أنه لابد أن نوضح بأن تغيير نص المادة أعلاه بإضافة 3 كلمات فقط هي «كل على حدة»، قد يسهم بتغيير كلي في كم ونوعية وحساسية المعلومات المفصح عنها؛ فبالتغيير أعلاه سيكون الإفصاح التفصيلي المقدم إلى الجمعية العامة محددًا باسم شخص معين والمكافأة التي استلمها هذا الشخص تحديدا، وقس على ذلك أعضاء مجالس الإدارات وأعضاء الإدارة التنفيذية كافة. وفي ظل انتشار الهواتف الذكية والاستخدام الكثيف لقنوات التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار أي خبر أو معلومة، فإن أسماء ومكافآت أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية سوف تنتشر في كل حدب وصوب وبسرعة البرق. ومن المؤكد بأن الإفصاح التفصيلي عن المكافآت للشركات العامة والذي يُعد مكونًا واحدًا فقط من مكونات النشاط الاقتصادي البحريني سوف يضع هذا القطاع في موقف لا يحسد عليه، حيث إن هذا النوع من الإفصاحات التفصيلية سوف يضر بتنافسية السوق المحلي والخليجي في استقطاب الكفاءات الإدارية، نظرًا لمحدودية سوق توظيف التنفيذين في البحرين وخارجها والذي يتنافس فيه الجميع، فضلاً عن انتهاك خصوصياتهم للشركات المنافسة. إضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الإفصاح التفصيلي قد يخلق خلافات اجتماعية بعرضه لمعلومات شديدة الخصوصية لا يحق لأحد الاطلاع عليها ولا حتى أقرب المقربين، مما قد يفتح المجال للمقارنات بين أفراد الاسرة الواحدة، ونظرا لتمتع مملكة البحرين بخصوصيتها في كثير من الأمور والتي لا يمكن مقارنتها بمناطق أو بلدان أخرى. ومن بين هذه الخصوصيات هو صغر حجمها ومن ثم خصوصية الوضع الاجتماعي بها، الأمر الذي لا يترك مجالا لنشر مثل هذه النوعية من المعلومات. وكذلك فإنه من بين أعضاء مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية من هم من غير البحرينيين، وهذا الإفصاح قد يخلق لهم بعض الخلافات مع عوائلهم بالأخص في بلدهم الأم. وإنه مما لا شك فيه هو أن هذا الإفصاح لا يخدم الشركة ولا موظفيها، كما أنه قد يخلق جو عمل غير صحي بين المستويات الإدارية المختلفة، إذ إنه قد يفتح المجال للمقارنات والتظلم وعدم المساواة وأمور أخرى قد تعيق عمل وإنتاجية الموظفين ونشاط وأداء الشركة. كما قد يكون للمادة 188 من قانون الشركات التجارية والإفصاحات المطلوبة، تأثيرات على قانون حماية البيانات الشخصية والذي صدر في عام 2018، حيث إن الإفصاح باسم ومكافأة مدير تنفيذي أو عضو مجلس إدارة والذي تمثل بيانات شخصية قد ينتهك قانون حماية البيانات الشخصية للأفراد. لكل هذه الأسباب ولجملة الأضرار التي ستترتب على تطبيق مثل هذه الإفصاحات التفصيلية نتمنى أن يعاد النظر في هذه المادة والتي لن تخدم قطاع الشركات العامة بل أنها قد تعيق عملها، كما إنها لن تخدم تنافسية سوق التوظيف في المملكة بل ستسهم في عرقلتها، مع العلم أن كل هذه المعلومات التفصيلية متوافرة دائما لدى الجهات الإشراقية والرقابية. جدير بالذكر بأنه لا يتم تطبيق مثل هذه الإفصاحات في بقية القطاعات الاقتصادية العاملة في مملكة البحرين، ولا في دول الخليج، ولا في الكثير من دول العالم. * رئيس مجلس الإدارة بنك البحرين والكويت والشركة البحرينية الكويتية للتأمين
مشاركة :