نتائج الحوار الاستراتيجي الثالث بين الولايات المتحدة والعراق

  • 4/12/2021
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في السابع من أبريل 2021م انعقد الحوار الاستراتيجي الثالث بين مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية ونظرائهم من العراق، وعلى الرغم من أنه يأتي ضمن سلسلة من الحوارات بين الجانبين، إذ عقدت الجولة الأولى في 11 يونيو 2020 بينما عقدت الجولة الثانية في 19 أغسطس من العام ذاته، فإن تلك الجولة قد اكتسبت خصوصية ألقت بظلالها على مضامين قضايا الحوار والنتائج التي أسفر عنها، فعلى المستوى الإقليمي جاء الحوار مع العراق في أعقاب جولة خليجية قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي شملت كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقد أسفرت عن توقيع العديد من الاتفاقيات، وكانت حصيلتها تعهد الدولتين بضخ استثمارات بحوالي 6 مليارات دولار في مشروعات تنموية بالعراق، وعلى المستوى الدولي جاء الحوار بعد إعلان حلف شمال الأطلسي «الناتو» في مارس الماضي زيادة عدد أفراد بعثته التدريبية في العراق من 500 إلى 4000 فرد بشكل تدريجي، بالإضافة إلى كون ذلك الحوار هو الأول مع الإدارة الأمريكية الجديدة.  يرتكز الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق على اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين الجانبين عام 2008م، ومن خلال تلك الاتفاقية عملت الولايات المتحدة على دعم العراق سواء بشكل ثنائي من خلال القوات الأمريكية أو قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش، ذلك الدعم الذي يتجاوز البعد الأمني إذ يتضمن الجوانب التجارية والاستثمارية، وقد أسفرت تلك الشراكة الممتدة بين الجانبين عن نتائج مهمة يمكن إجمالها في ثلاث نتائج، الأولى: زيادة قدرات قوات الأمن العراقية بدليل أن مهمة القوات الأمريكية في العراق الآن قد تحولت إلى التركيز على المهام التدريبية وتقديم الاستشارات، بالإضافة إلى التوجه نحو تأسيس لجنة عسكرية بين الجانبين لضمان تلبية عمليات التحالف الدولي للاحتياجات الأمنية للقوات العراقية، من بينها قوات البيشمركة، والثانية: الدعم السياسي الذي اتخذ أشكالاً عديدة، منها تمديد الحد الأقصى لمدة صلاحية تأشيرات الدخول للدبلوماسيين العراقيين والوفود الحكومية لتصل إلى عامين، الأمر الذي من شأنه تسهيل السفر والتواصل المباشر بين حكومتي الدولتين، والثالثة: دعم جهود العراق ضمن سياساته الاقتصادية وخاصة الاكتفاء الذاتي من الطاقة، بالإضافة إلى دعم قضايا التعليم العالي والتراث والبيئة وحماية الموارد الطبيعية.  ومع أهمية أجندة الحوار الاستراتيجي الثالث والتي شملت أربعة ملفات، وهي: الأمن ومحاربة تنظيم داعش وتحديد سبل للتفاهمات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية فإن النتيجة الأساسية التي أسفر عنها ذلك الحوار تتمثل في طبيعة التحول في مهام القوات الأمريكية، وكذلك القوات الدولية الأخرى من المجال القتالي إلى التدريب وتقديم الاستشارات، بالإضافة إلى تعهد الولايات المتحدة بسحب عدد من قواتها في العراق. وفي تقديري.. إن استمرار الدعم الدولي والإقليمي للعراق يعد مسألة جوهرية لثلاثة أسباب، أولها: العراق هو جزء من منظومة الأمن الإقليمي، وبالتالي فإن وجود عراق فاعل مسألة مهمة لتحقيق التوازن الإقليمي، وهو ما أشار إليه فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي بالقول: «الانفتاح الذي يشهده العراق في علاقاته الإقليمية والدولية يؤكد استعادته لدوره بوصفه محطة التقاء للشراكات الإقليمية والدولية»، وثانيها: انتقال الخطاب الداعي إلى ربط العراق بإطاره العربي من القول إلى الفعل، وهو ما تمثل في الدعم الخليجي للعراق والذي اتخذ بعداً مؤسسياً من خلال تأسيس مجلس للتنسيق العراقي - السعودي، بالإضافة إلى بزوغ ما أطلق عليه «المشرق الجديد»، وهي مبادرة عراقية تستهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين العراق ومصر والأردن، وهي دول تجمعها قضايا مشتركة عديدة، وربما تسفر في الوقت ذاته عن تعاون أمني في ظل القدرات العسكرية التي تمتلكها الدول الثلاث عموماً، وفي بؤرتها القوات البحرية، ما من شأنه تعزيز توازن القوى والذي يعد متطلباً أساسياً للأمن الإقليمي، وثالثها: في ظل الموقع الاستراتيجي للعراق والذي تلتقي عنده صراعات إقليمية ودولية فإن هناك أهمية لتعزيز قوة العراق لإمكانية مواجهة تداعيات تلك الصراعات وخاصة حالة الاستقطاب الإقليمي التي تزداد وتيرتها. إن علاقة العراق بالولايات المتحدة الأمريكية تؤسس على شراكة متبادلة بين الجانبين، فالمسألة لا تختزل في مسألة انسحاب أو بقاء القوات الأجنبية، لأن تلك القوات جاءت بطلب من الحكومة العراقية ذاتها للمساهمة في مواجهة تنظيم داعش، وفي الوقت ذاته يؤكد الخطاب الرسمي الأمريكي احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه بل إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد اتخذ قراراً قبيل مغادرته البيت الأبيض في يناير 2021 بخفض القوات الأمريكية في العراق من 5200 إلى 2500 جندي أي بنسبة 60% من إجمالي تلك القوات، ومن ثم فإن الأمر المهم هو ضمان عدم ظهور فراغات أمنية يمكن أن تسعى بعض المليشيات أو القوى الإقليمية الداعمة لها في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن ثم فإن ما يصدر عن الكتل السياسية بشأن حتمية انسحاب كل القوات الأمريكية لا يعكس أجندة أو رؤية موحدة بشأن حقيقة المخاطر الأمنية التي تواجه العراق بما يعني استمرار حاجة العراق إلى دعم القوات الأمريكية، فخلال كلمته ضمن الحوار الاستراتيجي الثالث قال فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي: «إن قواتنا الأمنية لا تزال بحاجة إلى البرامج التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بالتدريب والتسليح والتجهيز وتطوير الخبرات، ونسعى لمواصلة التنسيق والتعاون الأمني، وتلتزم الحكومة العراقية بحماية أفراد البعثات الدبلوماسية ومقراتها ومنشآتها»، أما أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي فقد قال «إن ذلك الاجتماع يأتي تأكيداً لعلاقة الشراكة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية». وفي تصوري إن نتائج ذلك الحوار بالإضافة إلى الظروف التي عقد خلالها سواء بالنسبة للحكومة العراقية ذاتها على المستوى الداخلي من خلال استعدادها للانتخابات البرلمانية المقبلة، وعلى المستوى الإقليمي من خلال تأسيس شراكات عربية وفتح آفاق جديدة لتعزيز علاقة العراق مع دول الخليج العربي، بالإضافة إلى وجود اهتمام دولي متنام بالعراق ليس فقط من خلال دعم الدول الكبرى وحلف الناتو لقوات الأمن العراقية بل في الوقت ذاته التأكيد على دور العراق في دعم قيم التعايش والتسامح والسلام من خلال الزيارة التي قام بها قداسة بابا الفاتيكان للعراق في مارس 2021 والتي حظيت باستقبال رسمي وشعبي حافل لكونها الأولى في تاريخ العراق.. جميعها مؤشرات تعكس حقيقة استراتيجية مهمة للغاية، وهي خروج العراق من أتون التجاذبات نحو تفعيل دوره الإقليمي بدعم من الأطراف الإقليمية والدولية التي تربطها مصالح وشراكة استراتيجية مع العراق. وخلاصة القول.. إن دعم العراق سواء من جانب القوى الدولية أو الإقليمية يعد دعما لمنظومة أمن إقليمي جديدة آخذة في التشكل، وتكمن قوتها في قوة الوحدات المكونة لها، من بينها العراق. ‭{‬ خبير في قضايا الأمن الإقليمي الخليجي

مشاركة :