رئيس الوزراء العراقي يطلق مشروع ميناء الفاو متجاوزا العوائق الإيرانية والهواجس الكويتية. بغداد- وضع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الأحد، حجر الأساس للبدء بإنشاء المرحلة الأولى من ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة جنوبي العراق متجاوزا بذلك عقبات وموانع داخلية وخارجية واجهت المشروع الذي يوصف بأنّه الخطوة الأكثر جدّية في مسار تنويع موارد الاقتصاد العراقي المعتمد بشكل شبه كامل على النفط، وتحسين البنية التحتية للبلاد والمتوقّفة عمليا عند ما تمّ إنجازه قبل سنة 2003. ومنذ إقرار المشروع في 2010 استخدمت إيران حلفاءها المحلّيين من أحزاب وميليشيات شيعية للتدخّل في مسار إنجازه واختيار جنسية الشركات التي ستنفّذه، فيما اتّهم نواب بالبرلمان العراقي الكويت بالقيام بمساع لدى أطراف عراقية متنفّذة وتقديم إغراءات مادية لها لتقليص حجم الميناء الذي سيشكّل في حال إقامته بالحجم الأصلي منافسا لميناء مبارك الكبير المزمع إنشاؤه شرقي جزيرة بوبيان في شمال الكويت. ويقام مشروعَا الميناءين الكويتي والعراقي على مساحة ضيّقة شمالي الخليج ويشكّل كل منهما منافسا للآخر حيث من المفترض أن يقوما بنفس الدور وهو ربط بلدان القارّة الآسيوية بأوروبا عبر منظومة نقل تشمل أيضا شبكة سكك حديدية تعبر الأراضي العراقية صوب تركيا وسوريا. ويقول هؤلاء النواب إنّ الكويت وضعت برنامجا لإنشاء منظومة للربط السككي مع الأراضي العراقية في صلة بمشروع ميناء مبارك الكبير الذي يظهر من خلال حجمه أنّه مصمّم لاستيعاب حركة نقل بحري تتجاوز بكثير مساحة الكويت وحجم اقتصادها. وتمّ في وقت سابق تسريب “معلومات” عن تغيير محتمل لمواصفات ميناء الفاو وتقليص مساحته وعمقه بالإضافة إلى تقليل كلفة إنشائه. ووضع بيان صدر الأحد عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي حدّا لتلك التسريبات بنشره أرقاما تتعلّق بالمشروع. وورد في البيان أنّ ميناء الفاو الكبير يتضمن إقامة خمسة أرصفة للحاويات. وأضاف أنّ المشروع يتضمن أيضا حفر نفق قناة خور الزبير وإنشاء الطريق السريع الرابط بين الميناء ومدينة أم قصر، وأيضا ردم ساحة تخزين ومناولة الحاويات وحفر القناة الملاحية الداخلية، وحفر وتأثيث القناة الملاحية الخارجية. وأحيل تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع إلى شركة دايو الكورية الجنوبية بكلفة قدرها 2.62 مليار دولار وسيُمكن للميناء معالجة 3 ملايين حاوية سنويا مع إتمام هذه المرحلة. وكانت إيران قد ضغطت من قبل عن طريق حلفائها العراقيين لإسناد مشروع الميناء لحليفتها الصين التي تمثّل أبرز متنفّس لها من العقوبات الأميركية الأشدّ المفروضة عليها، ويبدو أن أنّها سعت لذلك في إطار التخادم مع بكين لكنّ الحكومة العراقية تمكنّت من الصمود في وجه الضغوط التي سلّطت عليها من قبل الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، وقامت بإسناد المشروع لشركة كورية جنوبية وفقا لما قدّمته تلك الشركة من عروض. وفي أكتوبر الماضي وُجد رئيس الشركة الكورية منتحرا في محل سكنه بالبصرة، ما أثار عاصفة من الجدل بشأن الدوافع والأسباب، ودور الميليشيات الموالية لإيران في هذا الملف. وكثيرا ما كان اسم الصين يطرح في العراق كشريك اقتصادي بديل عن الولايات المتّحدة والمعسكر الغربي عموما قادر على مساعدة البلد على الخروج من أزمته الاقتصادية والمالية المستفحلة. لكنّ الواضح أنّ إيران كانت تقف وراء ذلك الطرح أملا في تقليص مساحة تأثير الولايات المتّحدة وحلفائها الغربيين في العراق. ويمتلك العراق في محافظة البصرة أربعة موانئ تجارية صناعية هي المعقل وخور الزبير وأبو فلوس وأم قصر. ورغم ضيق منفذ العراق على الخليج والذي لم يعد يتجاوز الخمسين كيلومترا إلاّ أنّ البلد يصدّر عبره نحو 80 في المئة من نفطه. ويخضع تنظيم الملاحة البحرية بين العراق والكويت في خور عبدالله أقصى شمال الخليج لاتفاقية حدودية أبرمت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993 وتمّت المصادقة عليها سنة 2013 في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وتقسّم الاتفاقية الخور الواقع بين جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية، وهي موضع انتقاد كبير لا ينقطع من قبل طيف واسع من العراقيين الذين يعتبرونها إجحافا كبيرا في حق بلدهم نظرا لتضييقها منفذه على الخليج. وقال الكاظمي، خلال وضعه حجر الأساس لميناء الفاو الكبير، إنّ بلاده أمام مرحلة جديدة وتتجه نحو تجاوز الأزمات و”البناء والإعمار والازدهار”، داعيا العراقيين إلى التحلي بالأمل والتعاون على بناء البلد “من الفاو إلى زاخو”. وبشأن الميناء قال الكاظمي إنّه “سيوفر فرصا كبيرة للعراق ويعزز مكانته الجيوسياسية في المنطقة والعالم وسيخلق فرص عمل كثيرة لأهل البصرة وباقي المحافظات، ويساهم في تطوير المحافظة”. كما لمّح رئيس الوزراء إلى العوائق التي واجهت مشروع الميناء قائلا “راهن الكثيرون على إفشال المشروع ونشروا إشاعات عدة لإحباط الشعب، ولكن المشروع ينطلق اليوم رسميا بعد أن انتهينا من مراحل التخطيط والمفاوضات وموّلنا المشروع من موازنة هذا العام”، مضيفا “مشروع الفاو الكبير ليس فقط للبصرة بل هو مشروع استراتيجي يسهم في تطوير وإعمار جميع محافظات العراق ويجعل من البلد جسرا اقتصاديا يربط مختلف بلدان المنطقة”. ولا يخلو إطلاق الكاظمي لأشغال إقامة الميناء من أبعاد سياسية داخلية، حيث يأتي في سياق حركية كبيرة لرئيس الوزراء في مختلف الاتّجاهات لتحسين أوضاع البلد أمنيا واقتصاديا وكذلك إعادة صياغة علاقاته مع باقي بلدان الإقليم. ويخوض الكاظمي في إطار ذلك منافسة شرسة ضدّ قوى متنفّدة وخصوصا الأحزاب الشيعية والميليشيات التي تشارك تلك الأحزاب ارتباطاتها الواسعة بإيران. ويأتي هذا التنافس في فترة حساسة قبل أشهر على موعد الانتخابات البرلمانية المبكرّة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم. وكثيرا ما تنظر تلك القوى لحراك الكاظمي كجزء من حملة انتخابية مبكّرة، ويُتوقّع أن تصنّف تدشينه أشغال ميناء الفاو ضمن هذا الإطار ما سيجعله خلال الأيام القادمة عرضة لحملات شرسة من قبل الأحزاب والميليشيات التي حملت عليه من قبل واتهمته بالتواطؤ مع الولايات المتّحدة و”العمالة” لها.
مشاركة :