قرار زيادة عدد الدوائر القضائية وعدد المستشارين في محكمة التمييز ليس الوحيد الذي من شأنه أن يعمل على مواجهة قضية تراكم الطعون، فالأمر يتطلب أيضاً إعادة النظر في فلسفة نظر الطعون بـ«التمييز»، والتي بعضها إداري والبعض الآخر تشريعي، ما يستدعي تعديل قانون إجراءات الطعن بـ«التمييز». قرار رئيس محكمة التمييز، بإنشاء دائرة قضائية رابعة لن يحقق المطلوب على صعيد ملف مواجهة الطعون المتراكمة أمام المحكمة، بل سيكون له أثر بسيط في مواجهة هذه القضية، التي عصفت بالعمل الإداري في «التمييز»، والتي لم تتمكن من النظر والفصل في طعون تعود إلى عام 2013! وهذا القرار، ورغم التقدير لدواعيه، فإنه لن يحرّك مياه الطعون الراكدة، التي اقتربت أعدادها من 50 ألفا، بعد أن أعلن رئيس مجلس القضاء المستشار أحمد العجيل في سبتمبر الماضي تسجيلها 42 ألف طعن متراكم. الفصل في الطعون والسبب في ذلك التراكم يعود إلى البطء الشديد الذي تعانيه عملية النظر والفصل في الطعون بـ«التمييز»، رغم انتهاء نيابة التمييز من نظر أكثر من ثلاثة طعون على الأقل في القضايا الإدارية، وتنتظر فقط تحديد جلسات لها، ولكن لم يُكتب لها ذلك، رغم مناشدات ومطالبات أصحاب الطعون. لذلك فإن فكرة إنشاء دائرة إدارية رابعة في محكمة التمييز لا يكفي لمواجهة القضية، لعدم تأثيره عليها، فـ«الشق عود»، ويستدعي أن يتداعى له المجلس الأعلى للقضاء، لبحثه ومناقشته، وأن يترك خلفه كل الحلول النظرية، وأن يفكّر في الحلول الواقعية والمباشرة لهذه القضية، بعد أن يتشارك الجميع في حسم هذه المعضلة، التي أصبحت ككرة الثلج تكبر يوماً بعد يوم دون أن نتمكن من إيقافها، الأمر الذي يستدعي التفكير جدياً في وضع الحلول الواقعية والمباشرة لها، وأهمها مطالبة الدوائر الحالية للانعقاد مرتين في الأسبوع، للنظر والفصل في الطعون، وأن تكون جلسة عقد المشورة هي الثالثة، وإنشاء دوائر مسائية تشكّل من بين أعضاء تلك الدوائر. وتلك الحلول واقعية ومباشرة وسريعة ومهمة، تستدعي أن تتبعها خطة يتم العمل بها في بداية العام القضائي الجديد تتضمن إصدار قرارات من الهيئة العمومية، بإنشاء دوائر قضائية جديدة، بواقع دائرة إدارية خامسة ودائرتين لنظر الطعون العمالية والإدارية. وتلك الخطوة الأخيرة يستتبعها إصدار قرارات من محكمة الاستئناف، بنقل عدد من المستشارين إلى محكمة التمييز، لخبرتهم وكفاءتهم، ولاحتياج دوائر «التمييز» لهم، وفي مقدمتهم المستشار هاني الحمدان في القضايا الجزائية، والمستشاران عادل الكندري ونجيب الماجد في القضايا الإدارية، والمستشارون علي الضبيبي وعويد الرشيدي وعبدالله الدعيج في القضايا المدنية، وغيرهم ممن لا يسع المقام لذكر أسمائهم أو بيان أقدميتهم. عدد الطعون المتراكمة يبلغ عدد الطعون المتراكمة أمام محكمة التمييز 50 ألفا، تأتي في مقدمتها الطعون الإدارية، التي تبلغ 14 ألفاً، ثم الطعون المدنية والعمالية التي تبلغ 15 ألفاً، فالطعون التجارية التي تبلغ 9 آلاف طعن. عدد المستشارين وقرار زيادة عدد الدوائر القضائية وعدد المستشارين في محكمة التمييز ليس الوحيد الذي من شأنه أن يعمل على مواجهة قضية تراكم الطعون، فالأمر يتطلب أيضاً إعادة النظر في فلسفة نظر الطعون بـ»التمييز»، بعضها إداري والبعض الآخر تشريعي، ما يستدعي تعديل قانون إجراءات الطعن بـ«التمييز»، كما يستدعي تغيير مبلغ كفالة الطعن بـ»التمييز» الوارد بنص المادة 153 من قانون المرافعات، والعمل على زيادته من 100 دينار إلى مبلغ يتوافق مع مبدأ جدية الطعن، كأن يكون مبلغ كفالة الطعن 200 أو 250 دينارا، فمبلغ 100 دينار الذي يُسدد اليوم لا يتناسب مع فكرة الجدية التي يتطلبها أمر اللجوء إلى «التمييز»، بما يجعله طريقا سهلا وبلا تكاليف، في حين أن تلك التكلفة البسيطة تتسبب في تلقي «التمييز» آلاف الطعون غير الجدية، والتي لا يمكن التقرير بعدم جديتها أو التصدي لها إلا بعدما تنتهي نيابة التمييز من إصدار مذكرة بالرأي فيها، وهو الأمر الذي قد يستغرق أشهرا وربما سنوات لعرضها أمام نيابة التمييز إذا ما كانت ضمن الملفات المتراكمة. طعون منذ 9 سنوات! ترجع العديد من الطعون المتراكمة أمام محكمة التمييز إلى عام 2013، بعضها إداري وتجاري ومدني، ومازالت متعطلة من حسم تلك الأنزعة واستقرار مراكزها القانونية حتى الآن! الموسم القضائي ومن دون حلول واقعية ومباشرة لمواجهة هذه القضية لا يمكن القبول بأي حلول لا تحاكي أصل هذه المشكلة، ومنها ما يستوجب العمل عليه سريعاً، ومنها ما يتطلب التخطيط لإنجازه مع بداية الموسم القضائي الجديد، والذي لم يعد يفصلنا عنه سوى أربعة أشهر تكفي لإعداد وإنجاز دوائر قضائية جديدة تعمل لإنجاز المتراكم في محكمة التمييز، حتى تأتي تعديلات المشرّع على قانون إجراءات الطعن بالتمييز وقانون المرافعات بشأن إعادة النظر في قيمة الكفالة. ولا يمكن القبول كذلك بالواقع الحالي الذي تمرُّ به إجراءات نظر الطعن أمام محكمة التمييز، والتي بدأت تطفو على السطح منذ عام 2015 ومازالت مستمرة حتى الآن، ومن دون مواجهة حقيقية لها، مما قد يجعلها أمراضا مزمنة يعانيها مرفق القضاء، في وقت تجري المحاولات والجهود لتبسيط إجراءات التقاضي واختصارها. الطعون الجزائية لا تواجه الطعون الجزائية أمام محكمة التمييز أي تراكم اليوم، لأن دوائرها الثلاث استطاعت قبل نحو عام ونصف العام إنجاز معظم الطعون المتراكمة أمامها، في حين أن الطعون المتراكمة اليوم تنحصر في الطعون غير الجزائية. النزاعات الإدارية كما أن الطعون التي تعاني ارتفاعا كبيرا في التراكم، تلك المرتبطة بالأنزعة الإدارية والتجارية والمدنية والعمالية، وتأتي الطعون الإدارية في مقدمة الطعون المتعطلة، وتحديداً تلك التي تخص طلبات الموظفين وقضاياهم الخاصة بالجهات الحكومية التي يعملون بها، وما يترتب عليه من تخطي الترقية والمكافأة والفصل والعقوبات الإدارية. قيمة كفالة الطعن بـ «التمييز» تحدد المادة 153 من قانون المرافعات قيمة كفالة الاستئناف بـ50 دينارا، وكفالة التمييز بـ 100 دينار، وقد وُضعت تلك القيمة منذ عام 1994، وفق المراجعة التشريعية بالقانون رقم 47/ 1994، أي مضى قرابة 30 عاماً على تلك الكفالة، التي حان الوقت لمراجعتها تشريعيا اليوم. عدد القضاة في «التمييز» تتزايد المطالبات بزيادة عدد القضاة والمستشارين في محكمة التمييز، وتحديداً الكويتيين، حيث إن عددهم لا يزيد على 25 قاضيا ومستشارا من أصل 120 مستشارا، وهو عدد لا يتوافق مع عدد الطعون المتراكمة، والتي تقترب من 50 ألفا، علاوة على الطعون المتداولة حالياً.
مشاركة :