هي عرفان بالجميل للحضارة التي زرعها الفراعنة في أرض مصر إن للتاريخ وجوهًا عدة، وجوهًا متناقضة، وهذا التعدد والتناقض هما بفعل التحريف والتشويه على هوى من تمتعوا برهبة القوة وحملوا صولجان السلطة الذين أمروا بتشويه الحقيقة وتزيين الزيف وتجسيد الوهم، ولكن بين السطور هناك شذرات ونمنمات من الصدق تكشف وجه الحقيقة، وهذا الصدق هو روح التاريخ و جماليته، ومما هو فوق السطور هناك الآثار المادية تحت تراب الاحداث والزمان، وبمجرد أن تتكشف تلك الآثار ترتبك السطور المنحرفة أمام مصداقية التاريخ وتهوى. إن الزمن الفاصل بين حاضرنا والماضي العظيم الذي كشف عنه الستار احتفالية نقل المومياوات يعود الى ما قبل الخمسة آلاف سنة، عهد من الماضي السحيق كانت أكثر شعوب العالم حينها تعيش في ظلام دامس، لا فكر ولا رأي ولا عقيدة، لا رب ولا إله ولا رسول ولا كتاب، لا فن ولا شعر ولا رقص ولا غناء، كانت لغاتهم همهمات و اشارات، وحياة أقرب الى حياة بقية الكائنات غير البشريه، قبائل الشعوب حينها وتجمعاتهم كانت على شاكلة قبائل الضباع... في ذاك الزمن وفوق قبائل بقية البشر والضباع كانت تتربع حضارة تشع نورًا في أرض مصر الفراعنة، أرض الآلهة إيزيس وابن أبناء الملوك وجد أجداد الملوك خوفو، خوفو الملك بمعية «حم ايونو» المهندس المعماري رسخ عظمة تاريخ مصر وجمال حضارة الفراعنة في أعظم وأروع عمل هندسي وعمراني و ابداعي نادر ارتفع من سطح الارض في منطقة الجيزة، كشجرة عظيمة خالدة، يفتخر به التاريخ و يناديه بالهرم العظيم، مثلما يفتخر الاب بابنه البار. إن التاريخ يتلمس الطهارة في الهرم العظيم وهو يشعر بالاختناق من السطور الملوثة التي تشوه وجه التاريخ. إن التاريخ مدين لكل تلك الآثار الحضارية التي زرعها ملوك مصر العظماء في وادي النيل العظيم، ولولا هذه الزروع الفرعونية لما كان للتاريخ روح او قبس من نور. إن الاحتفالية التاريخية المهيبة التي شعت في أرض مصر مساء السبت 3 ابريل 2021، ذكرت شعوب العالم بمكانة مصر الحضارية، وعلمت الشعوب معنى الحضارة، وصححت في اذهان الناس حقيقة الذين بنوا أعظم حضارة يفتخر بها التاريخ و يعتبرها روحًا له، اذ أن كثيرًا من الشعوب ترى في ماضي مصر غير الذي تقر به روح التاريخ وغير الذي يرضى عنه التاريخ. التاريخ له حق على الانسان، رغم انه مثخن بطعنات الانسان، و هذا الحق يقتضي من الانسان البحث عن الحقيقة في التاريخ و عدم الانصياع لما زج في التاريخ من اساطير وأكاذيب... فلا وجود للانسان دون تاريخ، ولا تاريخ خارج وعي الانسان، فهما متلازمات. وزبدة التاريخ هي الحضارة ومراكز الحضارة و سادة الحضارة، ليس في الصرح التاريخي، من حضارة، ما هو أصدق وأوضح وأبرز مما هو موجود حول وادي النيل من الآثار العظيمة التي زرعها ملوك مصر على مدى خمسة آلاف سنة. توقف مسار الفراعنة في مصر بفعل الضربات البربرية المتلاحقة، من غزوات الهكسوس والفرس والرومان، ولكن الحضارة التي زرعوها في وادي النيل مازالت باقية تنبض بالحياة وهي روح التاريخ وهي سيدة كل الحضارات. إن الاحتفالية التاريخية المهيبة التي شعت من أرض مصر حديثًا هي عرفان بالجميل للحضارة التي زرعها الفراعنة في أرض مصر، هذه الحضارة التي أضحت مصدر رزق للشعب المصري. الاقتصاد المصري مرهون، في جانب كبير منه، بالسياحة، و السياحة تهافت وشوق من شعوب العالم للتعرف على الآثار الحضارية التي زرعها الفراعنة في مصر. إن الانسان المصري، شاء أم أبى، فإنه مدين للفراعنة، ومازال يحصد ويأكل مما زرعه ملوك مصر العظماء، فعندما ينقلون مومياوات الملوك والملكات من المتحف المصري الى متحف الحضارة، أي نقل رموز الحضارة من زاوية مركونة في متحف يتراكم فيه غبار الزمن الى «متحف الحضارة»، فإن النقل نقلة نوعية، هي نقلة من تحت غبار الزمن الى تحت نور الشمس وضوء القمر. هذه الاحتفالية «الحضارية» المهيبة التي أبهرت شعوب العالم، و صارت عنوانًا بارزًا في جميع الصحف والمجلات وقنوات التلفاز في العالم ووسائط التواصل الاجتماعي، من الشرق الى الغرب ومن الجنوب الى الشمال، لم تستسيغها بعض النفوس لغرض في نفوس مريضة، قالت بعض الألسن باستحياء وحماقة بأن الاحتفالية تكلف الاقتصاد المصري ما ليس في طاقته، اذ لم تسعفهم اية حجة اخرى للنيل من الحدث التاريخي - الحضاري المهيب. طبعًا غاب عن ذهنهم الملبد بالاوهام إن هذه الاحتفالية هي من الجانب الاقتصادي استثمار كبير، لأن شعوب العالم بعد مشاهدتهم للمآثر والآثار الفريدة في مصر سوف يشتاقون لرؤية هذه الآثار والمآثر عن قرب، وسوف يتهافتون الى مصر ومعهم خزينة من دعم للاقتصاد المصري، ومن جانب آخر انها (الاحتفالية) عرفان بالجميل لملوك مصر الفرعونية الذين زرعوا الخير للشعب المصري وزرعوا حضارة خالدة للبشرية، ومن جانب ثالث فهي إحقاق لحق التاريخ على شعوب العالم اجمعين. الجانب الأهم من هذه الاحتفالية الحضارية هي رسالة الى الذين يريدون لمصر أن تبقى نائمة في سبات الجهل والوهم، وكيف أن مصر لم تنم ولن تنم وإن من شابه أجداده ما ظلم...
مشاركة :