دار الدنيا دار غربة واختبار، قد يقع البلاء على الناس فيبتلى المسلم بأخص منه، يبتلى بالصبر ومعرفة الصبر، ويبتلى بوسوسة الشيطان الزائدة، ويبتلى بالخوف على الخوف، فبلاؤه بالصبر تسليم، وبلاؤه بمعرفة الصبر تفويض، وبلاؤه بوسوسة الشيطان احتمال، وبلاؤه بالخوف على الخوف اتقان، فوظيفة المسلم أن يُسلم لله مُفوضًا أمره له تعالى في السراء والضراء وفي السعة والضيق في الحزن والفرح، في الأمن والخوف، وظيفة المسلم أن يتصل بالله في كل لحظات حياته وكل جنبات تصرفاته، مراقبًا متعوذًا متفائلاً ومقاومًا. يمر علينا شهر رمضان في هذا العام كما العام الماضي ونحن مكبلون مقيدون، غير قادرين على أداء الصلاة في المساجد بحرية وغير متمكنين من التواصل والتزاور إلا وفق ضوابط، والأكثر من ذلك لا تتمكن من الاجتماع والاقتراب من أحبتك وعائلتك وجيرانك إلا بعدد قليل، وقت قد عاشه من عاشه في السنوات الطويلة الماضية، وقد سجلت كتب التاريخ الكثير من الأوبئة والأمراض التي شلت حياة الناس عن بكرة أبيها، وقوضت العمل الاجتماعي، وهي فترة تمضي وزمن ينتهي ليكون في سجل التاريخ كما كان غيره من الأحداث. علاقة الإنسان المسلم بالله علاقة متطورة نحو إرادة الله المطلقة وإرادة المسلم المعقلة بالوصول للكمال، والسعي في تطوير العلاقة مع الله هو الصواب الذي لا رخصة في تركة ولا عذر بعدم الإتيان به، ويبقى المسلم محتاجًا إلى التوفيق الإلهي وطالبًا للعفو الرباني، ويبقى المسلم طوع إرادة الله بأي حدٍ من الحدود بناء على قدرته واستطاعته، ولا عذر له في التقصير، ومنها كانت الطاعة أوجب الواجبات والالتزام بأوامر الله من أفضل العبادات فضلاً عن التقوى والرقي في مراتبها. زمن المرض والبقاء في المنازل إنما يمكن المسلم من اتباع أكثر الوسائل والسبل من استثمار وجود العائلة في بناء الشخصية وتحريرها من قيود السئم والممل والكلل، بالتعاون والتعلم والتدرب على الصلاة وسائر العبادات، ويتمكن ولي الأسرة من أن يبدأ بترتيب الأولويات والحث على الطاعة والدعاء وقراءة القرآن، ولا شك أن الأوقات الوفيرة قد لا تتوفر في أي وقت كان وإنما هنا استثناء، ولا بد من أن يستغل الفرد منّا هذا البلاد لتوفير أجواء القرب والدعاء من الله تعالى. استغلال المحنة وتحويلها إلى منحة هو الخيار الأجود للعبد المسلم، وبما أننا قد تقطعت بنا الأسباب في مواجهة الجبر الذي لا يمكن لأحد تجاوزه حتى تنقضي هذه الغمة عن هذه الأمة، فينبغي علينا التعاون مع الجهات المختصة وطاعة ولي الأمر بالقول والفعل والإنصات، والدعوة للجميع بالالتزام لتخي النتائج غير المرجوة ولا المرغوبة، ويبقى حال المسلم في العسر واليسر حال الطالب والداعي والمخلص. إن لشهر رمضان المبارك خصوصية، ففيه ترفع الأيدي للسماء ويقرأ القرآن في كل أيامه ولياليه، وتستحب الصدقات وإفطار الصائم، وكل ذلك ممكن عبر الوسائل المتطورة وبرمامج التوصل، دعم الناس والتكافل الإجتماعي وتقديم الخير والعطاء والبذل، والمحافظة على ما يدعونا به ولي أمرنا ومع الجميع في منظومة عمل واحدة لنتخطى هذه الجائحة، وتبقى المهمة الأكبر في تربية وتهذيب النفس، وتقنين أفعالها وتوثيق العلاقة مع الله لتكون أرقى بأخلاقنا ومعاملاتنا وعبادتنا وطاعاتنا، لتكون اللحظات التي نقضيها متخللة للصلاة وقراءة القرآن، والدعاء والتبتل والتهليل والتكبير والاستغفار، ولكي نكون قد حققنا في هذا الشهر أكبر المنال في عتق رقابنا من النار والفوز بالجنة والرضوان، وأن يكتبنا الله من الصائمين ويجزينا جزاء المحسنين، ولا عذر للغافل ولا مكان للمتغافلين، فالدعوة الإلهية للعبد المسلم التوبة النصوح.
مشاركة :