في وقت أحيا فيه اللبنانيون أمس الأول، الذكرى السادسة والأربعين لما يُعرف بـ «حادثة البوسطة»، التي تُعتبر على نطاق واسع الشرارة المباشرة لاشتعال الحرب الأهلية في بلادهم عام 1975، أعرب كثير منهم عن مخاوفهم المتصاعدة، من إمكانية تجدد هذا السيناريو الدموي في بلادهم، بفعل الأزمات المتفاقمة التي تعصف بها في الوقت الحاضر. وحَمَّلَ هؤلاء اللبنانيون ميليشيات «حزب الله» الإرهابية، المسؤولية الأولى عن أي اقتتال أهلي، قد يشهده لبنان في الفترة المقبلة، في ضوء أنها تشكل القوة الوحيدة المسلحة في البلاد، ما يتيح لها الفرصة لفرض سياساتها وممارساتها على اللبنانيين، الذين يرفض الجانب الأكبر منهم، التوجهات التخريبية التي يتبناها هذا الحزب، منذ ظهوره على الساحة الداخلية، قبل قرابة 4 عقود. فـ«حزب الله»، يشكل بإجماع المحللين والمراقبين العقبة الرئيسة، التي تحول دون تشكيل حكومة فاعلة في لبنان، منذ استقالة الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب بعد أيام من الانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ بيروت مطلع أغسطس الماضي، وتشير أصابع الاتهام، إلى مسؤولية هذه الجماعة الطائفية المسلحة عنه. ويفضي استمرار الفراغ الحكومي في بيروت، إلى تواصل عجز السلطات اللبنانية، عن القيام بالإصلاحات الاقتصادية والمالية اللازمة، لكي تتلقى البلاد مساعدات من المؤسسات المالية الدولية، بما يخفف ولو نسبياً من وطأة الأزمة المتفاقمة حالياً، والتي أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية بنسبة تزيد على 90% منذ أكتوبر 2019، وسقوط أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر. علاوة على ذلك، يخاطر «حزب الله» بالزج بلبنان ومواطنيه، في أتون صراعات وحروب جديدة، عبر إصراره على الاحتفاظ بترسانته من الأسلحة والصواريخ، التي يُخفي كميات هائلة منها، في الأحياء السكنية، وقرب منشآت خدمية مثل المستشفيات والمدارس. وفي تقرير نشره موقع «ميشَن نيتوورك نيوز» الإلكتروني الأميركي، قالت سيدة لبنانية، تعمل في إحدى المنظمات الخيرية في بلادها، إن معارضي الحزب هم الأغلبية في لبنان، ولكنه هو الذي يملك السلاح، بما يخلق صراعاً على السلطة بين من يملكون السلاح، والأعداد الغفيرة من اللبنانيين المعارضين لهم. وأشارت السيدة، التي لم تذكر سوى اسمها الأول «نونا»، إلى أن هذا الصراع، يقود إلى تقسيم لبنان، وتصعيد التوتر في أراضيه، وذلك بالتزامن مع تزايد عدد من باتوا في أمسِّ الحاجة للحصول على مساعدات من منظمات خيرية، على شاكلة الجمعية التي تعمل فيها، والتي بدأت في الفترة الأخيرة، تقديم خدماتها لأُناسٍ كانوا يُصنّفون في السابق من بين أبناء الطبقة الوسطى. وفي محاولة لإيجاد مخرج من هذا المأزق، أوفدت الولايات المتحدة قبل يومين الدبلوماسي ديفيد هيل وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية إلى بيروت، في زيارة هي الأرفع لأيٍ من مسؤوليها، إلى لبنان منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه في 20 يناير الماضي. وأشار موقع «أل مونيتور» الإخباري الأميركي، إلى أن هيل يعكف خلال الزيارة، المقرر اختتامها اليوم، على ممارسة ضغوط على الفرقاء اللبنانيين، لدفعهم إلى تشكيل حكومة جديدة قادرة وملتزمة بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وذلك من أجل إنهاء أكثر من ثمانية شهور من الجمود على هذه الصعد كافة. «المركزي» يطالب الحكومة بتحرك سريع لخفض الدعم طالب مصرف لبنان المركزي أمس، حكومة تصريف الأعمال بوضع خطة بسرعة للحد من الإنفاق على الدعم لحماية ما تبقى من احتياطيات النقد الأجنبي. وقال المصرف المركزي إنه اضطر لبيع دولارات خلال الشهور الماضية لمنع التضخم، الذي بلغ 84 بالمئة، من الارتفاع بما يصل إلى 275 بالمئة، وإن من الضروري حماية الاحتياطيات المتبقية. وقال المصرف المركزي إنه «يتعين على الحكومة التحرك بسرعة نظرا لخطورة الوضع والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنتج عن التأخر». ويفاقم انهيار مالي، فقدت فيه العملة ما يصل إلى 90 بالمئة من قيمتها، الجوع والاضطراب في أخطر أزمة يشهدها لبنان منذ حربه الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. واشنطن تدعو قادة لبنان لإنهاء الأزمة السياسية دعا وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، القادة اللبنانيين لإبداء المرونة الكافية لتشكيل حكومة راغبة وقادرة على الإصلاح الحقيقي. ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام أمس، عن هيل قوله، خلال لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة: أن «أمريكا وشركاءها الدوليين قلقون للغاية إزاء الفشل الحاصل في إطلاق برنامج الإصلاح الحاسم الذي طالما طالب به الشعب اللبناني»، مشيراً إلى أنه قام بزيارة لبنان في ديسمبر عام 2019 ومرة أخرى في أغسطس عام 2020، وسمع آنذاك إجماعاً واسع النطاق بين القادة اللبنانيين حول الحاجة، التي طال انتظارها، إلى تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية وحوكمة رشيدة. وتابع: «حتى الآن لم يحرز سوى تقدم ضئيل جداً، وفي الوقت نفسه، يعاني ملايين اللبنانيين بالإضافة إلى الجائحة، من مصاعب اقتصادية واجتماعية، إنه تتويج لعقود من سوء الإدارة والفساد وفشل القادة اللبنانيين في وضع مصالح البلاد في المقام الأول، سيكون لدي المزيد لأقوله عند اختتام اجتماعاتي الجمعة». وأكد أن «أمريكا والمجتمع الدولي مستعدان للمساعدة، ولكن لا يمكننا أن نفعل شيئاً ذا مغزى دون الشريك اللبناني». وختم: «حان الوقت لكي ندعو القادة اللبنانيين إلى إبداء المرونة الكافية لتشكيل حكومة راغبة وقادرة على الإصلاح الحقيقي والأساسي، هذا هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، كما أنها ليست سوى خطوة أولى وستكون هناك حاجة إلى تحقيق تعاون مستدام إذا كنا سنرى اعتماد وتنفيذ إصلاحات شفافة».
مشاركة :